هل أحسَّت الحيوانات بالزلزال مبكراً؟

بانوراما 2023/03/08
...

 ليو ساندس

 ترجمة: مي اسماعيل


طارت الطيور بعشوائية فوق مبانٍ غطتها الثلوج، وعوت الكلاب بصوتٍ عال؛ ثم وقع زلزال مدمر في كل من تركيا وسوريا؛ سوى المباني بالأرض وقتل عشرات الآلاف. زعم مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي أن الحيوانات كانت تتصرف بصورة غريبة قبل الزلزال مباشرة؛ والذي بلغت شدته قريبا من ثماني درجات وما تلاه من هزات ارتدادية عديدة. 


وإذ لم يكن بالأمكان التحقق من مصداقية ما نُشِر؛ فإن فكرة استطاعة الحيوانات استشعار الزلازل القوية قبل الانسان كانت نظرية سائدة منذ القِدم على الأقل. وهناك أبحاثٌ علمية تدعم تلك النظرية؛ فبذات الطريقة التي يمكن أن تلتقط بها آلات الزلازل الهزات التي يتعذر على جسم الإنسان اكتشافها؛ فإن الحيوانات مجهزة بشكل أفضل لاستشعار الصدمات الصغيرة التي تنتقل عبر الأرض قبل ثوانٍ من عبور موجات الزلزال الأكثر قوة؛ كما يقول العلماء. ويقول بعض الباحثين إنهم قد يكونون قادرين على الإحساس بها حتى قبل الهزات. 

وفقا للمسح الجيولوجي الأميركي فإن سلوك الحيوانات غير الطبيعي في الثواني التي سبقت الزلزال يمكن تفسيره بالفرق بين نمطين من الموجات الزلزالية. فالموجات الأولية (أو ما تسمى بــ موجات "P") هي الأولى التي تنبعث من الزلزال، لتسافر بسرعة عدة أميال في الثانية من مركزه. تلك الموجات ملحوظة بشكل أكبر بالنسبة للحيوانات؛ كما تقول ادارة المسح الجيولوجي الأميركية. ثم تلي الموجات "P" موجات ثانوية "S" أشد قوة، تهز الأرض بحركات دائرية. وتذكر النشرة الارشادية لادارة المسح الجيولوجي ما يلي: "قلة من البشر يمكنه استشعار موجات "P" الأصغر حجما، التي تسافر بشكل أسرع من مصدر الزلزال وتصل قبل موجات "S" الأكبر. لكن الكثير من الحيوانات ذات الحواس الأكثر توقدا يمكنها استشعار الموجات الأولية قبل وصول الموجات الثانوية ببضع ثوان". تُستخدم الهزات الأرضية الأولية أيضا، والتي يتم اكتشافها وتحليلها بواسطة آلات علم الزلازل، من قبل أنظمة الإنذار المبكر للتنبؤ بالزلازل؛ بما لا يزيد عادة على دقيقة واحدة من قبيل الانذار. ولكن هل تستطيع الحيوانات الاحساس بالزلزال بصورة مبكرة أكثر من ذلك، وبشكل أفضل من الآلات الحديثة؟ 


استشعار الموجات 

في حين راقب البشر منذ آلاف السنين الحيوانات، وفهموا أنها على ما يبدو تكتشف الزلازل قبل دقائق أو ساعات من وقوعها؛ فإن موقف العلم بقي أكثر ضبابية. يرى أحد الباحثين ان الحيوانات قد تستطيع استشعار الزلازل حتى قبل هزاتها الأولية.. يقول "مارتن ويكيلسكي" مدير معهد "ماكس بلانك" لدراسة سلوك الحيوان، والذي قاد دراسة حول هذا الموضوع: " لدينا مؤشر جيد جدا على أن الحيوانات قد تشعر حقا بنُذُر الزلازل حتى قبل دلائلها الأولية؛ وتلك النُذُر ليست نشاطا زلزاليا". في دراسة راجعها نظرائه ونشرت عام 2020، ربط الباحثون متحسسات الكترونية على اجسام أبقار وكلاب وخراف في مزرعة بايطاليا، لمراقبة حركاتهم قبل بضعة أشهر من توقعات بحدوث زلازل في مناطق قريبة. فوجدوا ان الحيوانات كانت "فائقة النشاط" بشكل غير عادي، وتحركت باستمرار لأكثر من 45 دقيقة؛ حتى قبل استشعار سبعة من ثمانية زلازل قريبة. وصف "ويكيلسكي" تلك المتحسسات بانها أشبه ما تكون بـــ"هواتف نقالة صغيرة خاصة بالحيوانات"؛ مقترحا ان الحيوانات قد تكون قادرة على اكتشاف الزلازل بإحتمالية أكثر من 12 ساعة قبل البشر؛ وقبل اي هزات أرضية بوقت طويل. 

لا تُعرف بوضوح حتى الآن الاسباب التي دفعت الحيوانات للتصرف بشكل غير مألوف، كما يقول "ويكيلسكي": "هناك مؤشرات أن بإمكان الحيوانات أن "تقول" لنا شيئا؛ ولكن كيف تفعل ذلك؟ لا نعرف حتى الآن". ويعتقد ويكيلسكي ان قدرة الحيوانات لاستشعار الخطر قد تكون نابعة من قدرتهم للاتصال مع بعضهم البعض: "تجمدت الأبقار في بادئ الأمر، ولم تتحرك أبدا. وهذا انتقل الى الكلاب التي باتت منزعجة جدا، ثم أصيبت بالجنون وبدأت بالنباح.. ثم اصيبت الخراف بالجنون؛ وهذا كله أدى بالأبقار ان تصاب بالجنون ايضا". 


روايات مثيرة

وفقا لدراسة ويكيلسكي فان الحيوانات ربما كانت قادرة على استشعار الزلزال مسبقا على بُعد نحو عشرين كيلومترا عن مركز الزلزال، وينوي الاستمرار في بحوثه عن احتمال أن تكون حيوانات المزرعة قد تفاعلت مع مستويات الحديد المنبعثة في الهواء عن طريق الضغط تحت الأرض: "هناك عوامل اخرى يبدو ان تلك الحيوانات تلتقطها؛ لكنها ما زالت مجهولة بالنسبة لنا". لكن دراسة نشرت عام 2008 حول 700 ادعاء موثق للتصرفات غير الطبيعية للحيوانات قبل الزلازل دعت للحصول على مزيد من الأدلة قبل التوصل الى نتائج. وركز الباحثون على التساؤل عن امكانية استشعار الحيوانات للزلازل قبل الاجهزة الالكترونية، واقترح بعضهم ان الأمثلة التاريخية لتصرفات الحيوانات الغريبة يمكن تفسيرها بوقوع الهزات الزلزالية قبل ثوان من موجات الزلزال الأكبر. وان أكثر تلك الدلائل المثيرة كانت نتاج رواية أفراد ومنظورة بأثر رجعي للغاية بحيث لا يمكن الاعتماد عليها. 

رغم كل شيء هناك أمثلة بارزة اخرى، تاريخية وحديثة.. تعود إحدى أقدم تلك الروايات الى الكاتب الروماني "ايليان-Aelian"؛ الذي يشرح بالتفصيل كيف فرت الفئران والثعابين والديدان والخنافس من مدينة "هيلايك- Helike" قبل أن يهدمها الزلزال وتدمرها أمواج تسونامي عام 373 ق.م. وفي عام 2015، وقبل خمس عشرة دقيقة من زلزال ضرب أوكلاهوما؛ طارت الطيور بأعداد كبيرة ملفتة للنظر، حتى ان آلافا منها أمكن رصدها بتقنيات الرادار.