مسيرة راهول غاندي نحو تعزيز الديمقراطيَّة

بانوراما 2023/03/19
...

 ايلي اينشتاين

 ترجمة: بهاء سلمان

خلال ظهيرة يوم بارد وعاصف في إحدى مدن شمال ولاية البنجاب، إصطف حشد المعجبين على جانبي شارع رئيس، متزاحمين لأجل الحصول على نظرة أفضل. ويحدّق السكان على الحشود من شرفات شققهم، ممسكين أطفالا صغارا بيد وموجهين هواتفهم الخلوية لالتقاط الصور باليد الأخرى. ووقف رجال الأمن بالقرب من الرصيف، ممسكين بحبل طويل لمنع الناس من النزول إلى الشارع.

الكل كان بانتظار وصول راهول غاندي، زعيم حزب المؤتمر الوطني الهندي، ووريث العائلة السياسية الحاكمة التي كانت لها الهيمنة سابقا، إذ قاد مسيرة عبر الهند لتحدّي رئيس الورزاء نارندرا مودي وحزبه، “بهاراتيا جانتا”. 

ويصر غاندي ومؤيدوه أنه تحت سلطة حكومة مودي اليمينية العنيدة، يسير بلدهم نحو انقسامات دينية، بتفضيل الغالبية الهندوسية على المسلمين والأقليات الأخرى.

المسيرة، التي أطلق عليها “مسيرة توحيد الهند”، هي واحدة من أبرز الحملات السياسية قبل الإنتخابات المقرر إقامتها نهاية هذا العام، حيث يسعى مودي لولايته الثالثة.

بدأت المسيرة مطلع أيلول الماضي، في مدينة كانياكوماري الواقعة جنوب للبلاد، وانتهت أواخر كانون الثاني الماضي عند حدود منطقة كشمير المتنازع عليها. وقطع غاندي مسافة 2175 ميلا، زائرا 12 ولاية؛ بمعية 12 شخصا يسيرون معه. ومع تأكيدها لنشر رسالة الحب والوحدة، ومخاطبة القضايا المهمة مثل البطالة والتضخّم الاقتصادي، تعد المسيرة امتدادا لقصة طويلة مع راهول عن نجاحه في عملية تنظيم صفوف حزبه، مع تردده وقلة رغبته في الحكم، إذ كان والده وجدته وأبو جدته،ـ قد شغلوا منصب رئيس وزراء الهند.

خلال الشهور الماضية، جذبت المسيرة انتباه ودعم المؤسسات غير المرتبطة بالحكومة، والمنظمات غير الربحية والجامعات والنقابات والتجمعات الثقافية، والمحامين والاقتصاديين البارزين ومشاهير السينما الهندية. وظلت المسيرة تجتذب الكثيرين لغاية المرحلة النهائية منها.


تجربة مثيرة

لكن، هل ستكون المسيرة كافية للتغلّب على إنحدار “المؤتمر الوطني الهندي”، الذي عانى لسنوات من الهزيمة والفضيحة، وازاحة الحكومة الحالية، التي تحكم قبضتها على المؤسسات المدنية، وبضمنها القضاء والإعلام؟ 

ارتدى راهول ملابس واسعة مبتسما للجميع من خلال لحيته الشعثاء التي لم يحلقها منذ بدء المسيرة، وكانت خطواته رشيقة، لكنه توقف أحيانا لتحيّة الناس الراغبين بمصافحته وعناقه، متواصلا معهم بأدب قبل مواصلة السير.

يقول “فايبهاف واليا”، 32 عاما، عضو المؤتمر الوطني الذي رافق راهول منذ بداية المسيرة: “التقينا مواطنين من ولايات مختلفة وثقافات متنوّعة وخلفيات متعددة، من صيادي السمك وعمال المصانع والشباب والفلاحين، جميعهم تواصلوا معنا وشاركناهم ما يدور ببالهم من قضايا تهمهم.” ويشير واليا إلى خصوصية أحد اللقاءات، حيث استوقفته إمراة مسلمة في جنوبي البلاد وأمسكت بيده، لتخبره عن خوفها على ولديها البالغين بسبب الأجواء العامة في البلاد. يقول واليا: “لا يجب أن يعيش أي أحد خائفا لأنه ينتمي لدين محدد بذاته”.

كانت مسيرة المؤتمر الوطني تغطي 15 ميلا يوميا على مرحلتين، كانت الأولى تمتد إلى العاشرة صباحا، متوقفة لأجل استراحة الشاي والغداء لغاندي ورفاقه. ويستأنف الركب مسيرته عند الثالثة ظهرا؛ وبعد ثلاث ساعات تقريبا، يتوقف المشاركون عند مخيّم أعد سابقا لتناول الطعام والمبيت. وكان غاندي ورفاقه الحزبيون ينامون في كابينات تم تحويرها لتكون أماكن للمعيشة، مقاربة نوعا ما لدرجة رجال الأعمال، وينام الآخرون على أفرشة أرضية. 

وخلال أيام كانون الثاني الماضي، هبطت درجة الحرارة إلى أقل من أربعين درجة مئوية تحت الصفر، مؤدية إلى بعض حالات التذمّر. يقول “شاكيل أحمد”، 52 عاما، المحامي والناشط من مومباي، والذي شرع بالسير أيضا منذ بداية المسيرة: “الأمر صعب تماما خصوصا تحت أجواء البرد القارس. 

دورة المياه المخصصة لنا متدنية المستوى، وعندما حاولت الدخول إلى غرفة أفضل، أخبروني أنها لغاندي ومرافقيه فقط”.

بيد أن أحمد اختار تجاهل التمييز بالمعاملة لسبب أسمى: “تمكّنت من تكوين كم هائل من الأمل من خلال المسيرة، فقبل عدة أيام التقيت رجلا بعمر تسعين سنة مشى مسافة ميلين فقط لرؤية راهول. التقيت الكثير من الشباب الذين قدموا للتعبير عن تضامنهم، فهناك عداوة كبيرة مستمرة منذ وقت طويل بين الإعلام والحزب الحاكم، والمسيرة تطمئن الناس، وخصوصا الشباب، وتحثهم على القدوم والحديث عن الحب والوحدة”.


ممانعة إعلاميَّة

أما “مانغلال مانجو”، 22 عاما، وهو نجار من ولاية راجستان، فقد إلتحق بالمسيرة منذ بدايتها، تاركا وراءه عمله، الذي يتقاضى منه 300 دولار كراتب شهري، ويقول: “كان والداي كارهين في بادئ الأمر، لكنها مبادرة مهمة، وينبغي علينا دعمها بقدر ما نتمكّن، فهي لمستقبل الهند.” 

وبعد اسبوعين من مسيره، إستنتج مانجو أن وسائل الإعلام الرئيسية الموالية لمودي، لم تكن تغطي المسيرة، لذا، شرع بالبث عبر قناته الخاصة على تطبيق اليوتيوب وسجلها بنفسه على هاتفه الذكي. وحاز أحدث مقطع على أكثر من مليون مشاهدة.

طيلة عقود مضت، كان حزب المؤتمر إما يتبوأ السلطة أو ضمن معارضة قوية، لكن أداءه حاليا هو الأدنى، مع 52 مقعدا في البرلمان من أصل 543، كما تعرّضت صفوف الحزب للتفكك. راهول، الذي يشن حملته وفقا لقيم العلمانية والتعددية، واجه انتقادا لافتقاده لبعد 

النظر. 

وتقول “سابا ناكفي”، الصحفية السياسية المعروفة من دلهي، أن خطاب حزب المؤتمر لا يعكس الواقع على الأرض فيما يتعلّق بالسياسات الانتخابية. “ليس لدي ثقة بقدرة الحزب على التعامل بشكل مباشر مع منافسه، حزب مودي، حتى اليوم. ويعتمد جزء كبير من الموضوع على كيفية متابعة مسؤولي الحزب لتأثيرات المسيرة على واقع الناس.”

لكنها تعتقد أن المسيرة زادت من شعبية راهول، فالمسيرة “نجحت في إعادة تأهيل صورة راهول غاندي، وتذكّرنا بمرتكزاتنا الدستورية، فهي بمثابة صوت ضد انتشار المحسوبية في زمننا الحالي، علاوة على عدم الإنصاف المستشري في الهند.”

صحيفة لوس انجليس 

تايمز الاميركية