جرح غير مرئي لتأثير الكوارث الطبيعيَّة على الصحة العقلية

بانوراما 2023/03/28
...

  ندى عثمان

  ترجمة: ليندا أدور 


صدمة متعددة الطبقات

أسفر الزلزال عن مقتل أكثر من 50 ألف شخص ونجاة عشرات آلاف آخرين لكنهم أصبحوا بلا مأوى ولا ممتلكات. تقول الدكتورة رانيا عوض، الأخصائية النفسية الإكلينيكية في كلية الطب بجامعة ستانفورد، في تعليقها على كون اللاجئين السوريين في تركيا والنازحين داخل الأراضي السورية هم الأكثر تضررا، بأن: “ما نشهده اليوم هو صدمة متعددة الطبقات ووضع معقد للغاية حيث تعرض الأشخاص للنزوح لعدة مرات، ليصبح الزلزال هو الأحدث ضمن سلسلة طويلة من الصدمات التي تعرضوا لها”، مضيفة بأن من بين الناجين من أكد بأن هذا هو النزوح العشرين له. تشير عوض بأنه عندما يتعرض الأشخاص لأحداث صادمة تنطوي على الموت والدمار لأكثر من مرة، تتحول الى صدمة معقدة، وهنا تصبح مسألة استعادة الأمان أو حتى معرفة الوضع الطبيعي أمرا مشوشا”، حينها سيغمر الناجين شعور بخيبة أمل وعدم الثقة، ويمكن لهذا الشعور، بين الأطفال على وجه الخصوص، أن يتطور الى مشكلات صحية عقلية طويلة الأمد قد تمتد معهم حتى سن المراهقة وحتى مرحلة البلوغ.

للكوارث الطبيعية، كالزلازل، أثرها الكبير في الأطفال كالشعور بالقلق  والحرمان من النوم والخوف، فضلا عن تغييرات في السلوك والمواقف، اذ يمكن لهذه القضايا النفسية أن يكون لها تأثير في النمو الجسماني للطفل وتسريع العمليات الحيوية الطبيعية لديه.  فقد وجد باحثون صينيون، درسوا تأثير الزلازل على الأطفال في بلادهم، ظهور حالات مبكرة من سن البلوغ لدى الفتيات والفتيان في أعقاب الزلزال، مشيرين الى احتمالية التعرض لمواد كيمياوية ملوثة، فضلا عن الإجهاد العقلي قد تكون من  المسببات المحتملة لذلك. تقول ماريا محمود، مدير مؤسسة “خط مساعدة الشباب المسلم” ومقرها بريطانيا بأنه في حال لم يتم علاج الحالات لدى الأطفال مبكرا، فقد يعانون من مضاعفات اجتماعية وعاطفية وبدنية طويلة الأمد. 


صدمات ظاهرة وكامنة

قد يكون لدى الأطفال والبالغين، على حد سواء، علامات ظاهرة للصدمة العقلية، التي تظهر جسديا ونفسيا، بعد الكارثة، تشير عوض الى أن علاماتها قد تشمل اضطرابات النوم، والكوابيس وأعراض جسدية أخرى كخفقان القلب والشعور بالانزعاج والغثيان، كما قد يعاني الكثير من اضطراب المعدة، الى جانب علامات أخرى؛ كمشاكل التركيز وسرعة الغضب وفقدان القدرة على الاستمتاع بالفعاليات التي كانت ممتعة في السابق. إن عدم معالجة المشكلات حال ظهورها، يدفع بالأشخاص للمخاطرة بترحيل المشكلات الى المستقبل. تقول عوض: “ما يحدث هو أن الصدمة ستبقى “كامنة تحت السطح”، وسيمضي الشخص في حياته بشكل طبيعي، محدثا نفسه: حسنا، لقد تجاوزت ذلك‘ من خلال العمل والزواج والأطفال، لكن.. في مرحلة لاحقة من حياته، شيء ما سيعمل على تحفيز ذاكرته، مسببا له الصدمة”، سواء من خلال الحوارات او الأخبار او الذكريات.

يرى غالبية المتخصصين بالصحة النفسية بضرورة تلقي المتضررين من الكوارث المساعدة بأسرع وقت ممكن، “كلما كان أسرع كان أفضل”، بحسب عوض، التي أقرت بأنه في أعقاب الكارثة يكون من الصعب جدا الحصول على الدعم النفسي لأن الأولوية ستكون لإنقاذ الأشخاص وتوفير الاحتياجات الأساسية الأخرى. 


مشاعر صعبة 

“الجرح غي المرئي”، هي التسمية التي أطلقتها عوض على الصدمة النفسية التي من الممكن أن تستمر طويلا في حال لم تتم معالجتها، مسلطة الضوء على أهمية تشخيص الصدمة المعقدة، وتحدث عندما يعاني الشخص، الذي سبق وأن عانى من صدمات سابقة في حياته، من صدمات أكثر خطورة، بقولها: “عندما تضاف الصدمة الحالية الى صدماته السابقة، قد يدفعه ذلك لفقدان السيطرة تماما، وهذه واحدة من نظريات (متلازمة إضطراب ما بعد الصدمة)”. 

منذ وقوع الزلزال، غصت مواقع التواصل الاجتماعي بآلاف من مقاطع الفيديو والصور للمناطق المتضررة، لكن يشير الخبراء، بأن مشاهدة تلك المقاطع والصور يمكن أن تحدث آثارا سلبية حتى لو كان من يشاهدها، نفسه، لم يتأثر بالزلزال. تقول جيس دي كروز، مدير محتوى المعلومات لدى مؤسسة مايند Mind، الخيرية للصحة العقلية ومقرها بريطانيا بأن: “سماع أو رؤية مثل هذه الأحداث في الأخبار يمكنها إثارة الكثير من المشاعر الصعبة، “بناء على تجاربنا الشخصية، يمكن لمثل هذه الأخبار أن تذكرنا بأحداث صادمة مررنا بها سابقا”. 

تقول عوض بأنها إلتقت بحالات لأشخاص تسمروا على هواتفهم بهدف الحصول على آخر الأخبار حول الزلزال، بعضهم لم تكن لديه القدرة على النوم أو الأكل، بانتظار أخبار عن أقرباء لهم. تقول دي كروز بأن مشاهدة مناظر الكوارث الطبيعية يزيد من مشاعر القلق وصعوبة الابتعاد عن مصادر الأخبار، وترى من الأفضل أن يتم تحديد أوقات لمتابعة الأخبار او وسائل التواصل، الى جانب التحدث مع شخص من العائلة أو صديق لديه نفس المشاعر الصعبة”. 

تقول محمود بأن أفضل نصيحة يمكن أن تقدم لمن يشاهد الكارثة عن بعد هو التركيز على الأشياء التي يمكن التحكم بها، وبأن هناك آليات تأقلم مختلفة، فقد يختار البعض عدم متابعة الأخبار كشكل من أشكال التأقلم.

*موقع ميدل إيست 

آي الإخباري