علامة هوليوود.. {أيقونة} عمرها 100 عام

بانوراما 2023/04/04
...

 لويس بيكيت

 ترجمة: ليندا أدور

أحب مثقفو فايمار* الذين فروا من المانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، واستقر بهم المطاف في لوس انجلوس، شمسها المشرقة، لكنهم اشتكوا من افتقارها للثقافة المدنية، اذ لم يكن لديها "مجتمع المقهى" الذي تشتهر به باريس أو برلين. 

اليوم بعد ما يقرب من 100 عام، لن يستغرب نقاد فايمار بأن إعلانا ضخما يعتلي تلا، ومراقب بالكاميرات على مدار الساعة يوميا وطوال أيام الإسبوع، لا يزال هو أقرب ما يمكن في لوس أنجلس ليكون ساحة البلدة فيها، إنها "علامة هوليوود Hollywood sign"، الواقعة على قمة ماونت لي من جبال سانتا مونيكا، التي أنشأت في الأصل كإعلان عن عمليات تطوير عقاري محلية، التي تبلغ عامها المئة هذا العام. 


نجمة مشهورة

تعد علامة هوليوود واحدة من أكثر العلامات شهرة على وجه الأرض، والنصب التذكاري الوحيد في العالم، الذي يبقي زائريه بعيدا بدلا من الترحيب بهم، اذ يكتفي الزوار بالتقاط الصور عن بعد، خشية تعرضهم للطرد أو الغرامة وربما حتى الإعتقال، لأن عملية الدنو منها قد تكون عبثية ومرهقة، لوقوع العلامة قرب قمة تل قاحل ووعر وشديد الإنحدار، مزود بحواجز وسياج أمني لا يسمح بتجاوزها، لا سيما أن المنطقة تسكنها ذئاب القيوط والثعالب والأفاعي المجلجلة، 

أحيانا. 

على غرار برج إيفل الباريسي، عندما شيدت علامة هوليوود، كان من المفترض أن تكون يافطة مؤقتة، لمدة 18 شهرا، كإعلان ترويجي عن مشروع توسعة عقارية باسم "هوليوود لاند" لكن اليافطة بقيت محلها، لتتحول من مجرد إعلان مبهر الى ايقونة، تحولٌ لم يكن الوصول إليه 

بالهين. 

فعلى مدى عقود، نجت العلامة من مآسٍ وإهمال وصحافة سيئة ودعوات صريحة للهدم. تطلبت عملية تحولها إلى "نجمة"، شهيرة كشهرة نجوم هوليوود، إجراء تغيير جزئي في الاسم، تلاها، في سنوات لاحقة عمليات طلاء منتظمة باللون "الأبيض"، مع مراقبة دائمة من قبل الخبراء لأي عملية تآكل فيها.

 لا يتوفر سجل دقيق للتأريخ الذي تم فيه وضع حروف العلامة "13" للمرة الأولى، التي كان عرض كل حرف أصلي فيها 30 قدما وبطول 43 قدما تقريبا، تم تشييدها من خلال هياكل مربعة الشكل بقياس 3 × 9  أقدام، رتبت معا عن طريق إطار معقد من السقالات والأنابيب والأسلاك والخشب وأعمدة الهاتف، استخدمت حينها البغال والجرارات لسحبها الى أعلى 

التل. 

كما تمَّ تركيب أربعة آلاف مصباح كهربائي منخفض القدرة على الحروف، التي تبلغ المسافة الفاصلة في ما بينها 240 سنتيمترا، تضاء ليلا، على أربعة مراحل، أولا تضاء كلمة "هولي" ثم "وود" ثم "لاند" ثم الكلمة كاملة "هوليوود لاند"، وبلغت إجمالي كلفة المشروع حينها 21 ألف دولار 

(أكثر من 250 ألف دولار بقيمة اليوم).


بارومتر صحة هوليوود

فقدت الحروف شهرتها في العام 1932، عندما أقدمت ممثلة بريطانية شابة ونجمة سينمائية طموحة بسن الرابعة والعشرين، على الانتحار من اعلى هيكل الحرف (H)، من العلامة التي باتت ترمز الى جاذبية وسحر، وفي الوقت ذاته خطورة، نجاح صناعة السينما 

في هوليوود.  

بحلول أربعينيات القرن الماضي، بدأت حروف الإعلان تتداعى وتسقط متهاوية، ليتم تكليف إدارة المدينة رسميا بمسؤولية إدامتها والإشراف عليها، وفي العام 1949، أبرمت غرفة تجارة هوليوود عقدا لاستعادة اللافتة ورفع كلمة "لاند" منها. أما عقد الستينيات فقد كان هو الأسوأ في حياة العلامة بعد أن أصابها الصدأ والتدهور وحتى الانهيار. في العام 1973، أعلن مجلس التراث الثقافي في لوس أنجلس، رسميا، العلامة على أنها "معلم من معالم المدينة"، في وقت كان الحرف "O" قد سقط أسفل الجبل، وجزء من الحرف "D" مفقود، بينما أضرم أحدهم النار في الجزء السفلي من الحرف "L".

 مع أواخر السبعينيات، ساءت حال العلامة من جديد، وجرى على إثرها هدم اللافتة القديمة وإزالة الحروف لأول مرة منذ 50 عاما، وبقيت علامة "هوليوود" بلا حروف لمدة ثلاثة أشهر تقريبا، جرى خلالها استبدال الحروف الأصلية للعلامة بعد حملة قادها هيو هيفنر، مؤسس مجلة بلاي بوي لانقاذها، بحروف جديدة بطول 450 قدما وارتفاع 45 قدما، وبوزن إجمالي من الحديد والخرسانة وصل الى 480 ألف رطل. تشير تقارير إخبارية الى أن قطعا من العلامة الأصلية، تمَّ بيعها بالمزاد عبر الانترنت على شكل أجزاء، وأن أجزاء من العلامة الأصلية المصنوعة من القصدير بيعت كخردة.استعدادا للاحتفال بذكراها المئوية واستقبال زائريها عن بعد، خضع النصب الأيقوني لعمليات ترميم وتجميل خلال شهر تشرين الأول الماضي، اذ أمضى عشرة عمال أكثر من ثلاثة أسابيع لطلاء الحروف، مستخدمين نحو 400 غالون من الطلاء الأبيض والبرايمر المانع للصدأ في ذلك، لتبقى "العلامة محتفظة بما يطلق عليها من تسمية بأنها "بارومتر صحة هوليوود".


*فايمار: حركة أدبية وثقافية ألمانية سميت كذلك نسبة الى مدينة فايمار بالمانيا، أسس ممارسوها إنسانية جديدة من توليف الأفكار بين الرومانسية والكلاسيكية وعصر التنوير. استمرت الحركة 33 سنة من العام 1772 وحتى العام 1805، وضمت مثقفين مثل يوهان فولفغانغ فون غوته، ويوهان جوتفريد هيردر، وفريدريش شيلر وآخرين.


*صحيفة الغارديان البريطانية