ماسحو الأحذية.. مهنة {التلميع} تفقد {لمعانها}

بانوراما 2023/04/11
...

  ماي أندرسون وتيد شفري

 ترجمة: ليندا أدور

في أحد نهارات العمل الشتائية الأخيرة، يسارع رجال للجلوس على كراسي "التلميع"، في أحد مراكز تلميع وتصليح الأحذية في نيويورك، وهم يقرؤون الصحف أو يتصفحون هواتفهم المحمولة، بينما يباشر "ماسحو الأحذية" عملهم بوضع الورنيش على الأحذية الجلدية سواء التي بدون كعب أو الطويلة منها، وما أن ينتهي ماسح الأخذية من عمله، يسارع الزبون لتسليمه ثمانية دولارات لقاء ذلك.

يمتد تأريخ تلميع الأحذية في الولايات المتحدة إلى ستينيات القرن التاسع عشر، عندما قام هوراشيو ألجير، الروائي الأميركي، من خلال كتابه "ديك الأشعث Ragged Dick"، بتسليط الضوء على ملمع أحذية شق طريقه من الفقر إلى الثراء، كما أبرزت العديد من الأفلام والبرامج التلفزيونية، وعلى مدى عقود، دور ماسحي الأحذية (بينهم فتيات أحيانا).

الجائحة هي السبب

اليوم، نشهد تراجعا كبيرا في الحصول على "تلميعة سريعة" بأدوات و"خرقة" ماسح الأحذية، مع اختفاء العديد من متاجر ومراكز تواجدهم، الذي قد يعزى السبب إلى تفشي جائحة كورونا، واللجوء إلى العمل عن بعد ومن المنزل، فضلا عن انتشار ظاهرة ارتداء ملابس العمل غير الرسمية والمريحة بعد عودة الكثير إلى مكاتبهم. 

وقد توقفت بعض الشركات المعروفة بصنع أكبر العلامات التجارية من ملمعات الأحذية، عن بيع منتوجها بسبب انخفاض الطلب. ليس هذا فحسب، فقد أصاب الانخفاض سوق إصلاح الأحذية، الأكثر شمولا، بنسبة تصل إلى 23 بالمئة بين الأعوام 2013 و2023 ليصل إلى 307 مليون دولار فقط، وفقا لشركة IBISWorld لأبحاث السوق. بلغ إجمال مبيعات ورنيش تلميع الأحذية العام 2022 إلى أكثر من 27 مليون وحدة، منخفضا بنسبة 29 بالمئة مقارنة بالعام 2019، وفقا لتقارير صدرت عن شركة نيلسون للمعلومات والبيانات وقياس السوق، كمؤشر على التغييرات التي تسببت بها الجائحة.  

يقول نيسان خايموف، صاحب  كشك لتلميع الأحذية، بأنه كان يلمع ما بين 80 إلى 100 حذاء يوميا قبيل تفشي وباء كورونا، واليوم تراجع العدد ليصل 30 إلى 50 فقط خلال أيام الثلاثاء إلى الخميس من كل أسبوع، وأقل من ذلك في أيام الاثنين والجمع. متحدثا عن نظام العمل الهجين الذي أضر بعمله، يقول خايموف: "لن تحل مشكلاتي حتى يعود الناس إلى عملهم"، مضيفا "وهذا الأمر ينطبق على أصحاب العقارات والمستأجرين، ليس أمامنا سوى الانتظار".

يقول روي هينان (38 عاما)، يعمل محاسبا في فيلادلفيا، بأنه، في صباه، كان يستقل القطار رفقة والده وهو في طريقه للعمل أحد أيام الجمع من كل شهر، ويشاهده عندما كان يلمع حذاءه، "اليوم، وبعد مرور 30 عاما، أنا أفعل ذات الشيء، هذا سيبقى موروثا مع  مرور الزمن". 


رفاهية متواضعة

في شركة متخصصة بتصليح الأحذية، يقول خايرو كارديناس، التي يديرها منذ 33 عاما، بأن العمل إنخفض بنسبة 75 بالمئة مقارنة بما كان عليه قبل الجائحة، فقد اقتصر عدد العاملين في الشركة على ماسح أحذية واحد فقط، من أصل ثلاثة كانوا يعملون قبل الوباء بتلميع 60 إلى 70 حذاءً يوميا، واليوم، في أحسن الأحوال، أصبح العدد 10 إلى 15 فقط. بعد إغلاق العديد من محال وشركات تلميع الأحذية في المنطقة، يأمل كارديناس، بعودة الأمور إلى طبيعتها بحلول الربيع. 

إجمالا، فإن تصليح الأحذية يدر أموالا على أصحابها أكثر من التلميع، يقول ديفيد ميسكيتا، الذي يدير خمسة متاجر لإصلاح وتلميع الأحذية، بأن الجزء الأكبر من الأرباح تأتي من إصلاح الأحذية وحقائب اليد والملابس (الجلدية). 

يقول ميسكيتا، بأن قبيل الجائحة، كانت متاجره الخمسة تضم أربعة مقاعد ثابتة، لتلميع الأحذية، وستة أخرى متحركة، تعمل على تلميع 120 حذاءا في اليوم الواحد، "اليوم، ما تبقى هو ثلاثة ملمعي أحذية يقومون بتلميع 40 أو 50 حذاءً في أفضل أيام العمل"، يقول ميسكيتا، مشيرا إلى أن أرقام تلميع الأحذية ارتفعت في كانون الأول الماضي بنسبة 52 بالمئة مقارنة بذات الشهر من العام 2021، "الحركة تعود ببطء، لكننا لم نعد كما كنا عليه سابقا بنسبة 100 بالمئة، لكن يبقى تلميع الأحذية مهنة لن تختفي تماما، واصفا مسألة تلميع الأحذية بأنها: "مجرد رفاهية متواضعة، يرغب البعض بمكافأة أنفسهم، لمرة أو مرتين في الإسبوع، أو حتى مرة كل

 أسبوعين".


خدمة تعامليَّة

الى جانب محاور العبور الكبيرة في المدن، تعد المطارات واحدة من الأماكن القليلة، التي يمكن أن نحصل فيها على فرصة لتلميع الحذاء، وقد كان لإغلاق المطارات وتوقف الرحلات الجوية خلال فترة الجائحة، الأثر الكبير في هذه المهنة.

بعد أن أعيد فتح المطارات، كانت شبه فارغة إلا من بعض الأشخاص الوحيدين الذين كانوا يلجؤون إلى تلميع أحذيتهم وهم الطيارون وأفراد طواقم الطائرات. تقول جيل رايت، تعمل بإدارة محطات تلميع الأحذية في مطاري دنفر وشارلوت بالولايات المتحدة الأميركية، بأن نسبة التشغيل لا تزال 35 بالمئة فقط مما كانت عليه في العام 2019، اذ تتوقع رابطة السفر الأميركية عودة الرحلات إلى معدلات ما قبل الجائحة العام

2024.  مثل ميسكيتا، تقول رايت إن مهنة تلميع الأحذية لن تختفي على الإطلاق، فهي أكثر من مجرد خدمة تعاملية، هي لحظات للتواصل بين شخصين، "يأتي الأشخاص لتبادل الأحاديث والاسترخاء وإظهار الشعور ببعض التعاطف والتراحم". 


* وكالة أسوشيتد برس الأميركية