ازدياد انتحار العمال النيباليين في الخارج

بانوراما 2023/04/25
...

 بيت باتيسون وبرامود اتشاريا

 ترجمة: بهاء سلمان

عندما اتصل زوج "باوان كوماري"، ذات صباح من دولة الكويت، حيث كان قد ذهب للعمل قبل تسعة أشهر، لم يكن هناك سبب يدعو للقلق. كان الزوجان يتصلان ببعضهما البعض مرتين أو ثلاث مرات يوميا، ويتحدثان عن أن كان بامكانه كسب ما يكفي من مال لكي يرسلوا ابناءهم إلى مدارس جيّدة ويسددون ديونهم. في ذلك اليوم من شهر كانون الثاني، كانت الزوجة منشغلة بغسل الملابس، وكان زوجها، "راجيف كومار راي"، يتحدث إلى ولديه الصغيرين فقط؛ لكن عندما اتصلت به باوان، لم يرد عليها.

ومع مرور اليوم، ازداد قلقها، لترسل رسالة إلى أحد زملاء راجيف في العمل، الذي أشار إلى بقاء الزوج في مخيّم العمل لوحده؛ ووعدها بالبحث عنه بعد العمل. استلقت باوان على سريرها، محدقة بهاتفها منتظرة إتصال راجيف، الذي لم يحصل أبدا؛ فحينما وصل زميله إلى المخيّم، وجد الزوج قد أقدم على الانتحار. "كيف يمكنني توضيح الخسارة التي اواجهها بالكلمات؟

لقد فقدنا معيلنا.

إنه أمر مدمّر." تقول باوان، جالسة خارج منزلها البسيط في منطقة سارلاهي الواقعة في السهول الجنوبية للنيبال.

كل عام، يموت نحو ألف عامل مهاجر من النيبال خارج البلاد، غالبيتهم في الخليج وماليزيا. وبينما تم توثيق وفاة العمال المهاجرين بحوادث العمل والسكتة القلبية بشكل جيّد، لا يتم الإهتمام بحالات الانتحار إلى حد كبير. ومع ذلك، فمن بين النيباليين العاملين في الخارج، تم تسجيل ما يقرب من 12 بالمئة من الوفيات كحالات انتحار.


أسباب متعددة

وتعمل فترات طويلة من البعد عن العائلة، والديون المالية، وظروف العمل المهينة، وأماكن الاقامة غير الصحية، والشعور بالوحدة، ونقص خدمات الدعم الاجتماعي، تعمل على الأرجح كعوامل تترك العمال معرّضين لمشكلات صحة عقلية حادة وأفكار بالانتحار، بحسب الخبراء. ويقول الدكتور "باشوباتي ماهات"، اخصائي علم النفس السريري في مركز الصحة العقلية في النيبال، أن تحرّي الصحة العقلية ينبغي أن يكون جزء من الفحوصات التي يجريها العمال المهاجرون قبل مغادرتهم للبلاد. "يجب على الحكومة ضمان أن الصحة العقلية للمهاجر سليمة قبل إصدار موافقات العمل". يقول ماهات.

وفي مقابلات أجريت مع أسر 18 عاملا مهاجرا أقدموا على قتل أنفسهم، تم التوصل إلى أن وفاتهم غالبا ما كانت تمثّل صدمة. وفي عدد من الحالات، كان العامل يتحدث إلى أحد أفراد العائلة قبل مجرّد ساعات أو حتى دقائق قبل إقدامه على الانتحار، بدون إبداء أية إشارة لوضعهم العقلي. وغالبا ما كانت تفاصيل الظروف المحيطة بالوفاة تمرر عبر شبكات الاتصال من زملاء العمل والأقارب، تاركين الأسر تشعر بالإرباك حيال ما حصل، وفي بعض الحالات، غير متيقنين من كون أحبائهم قد أقدموا على الانتحار، أو ماتوا بوسائل أخرى.

ومثل الكثير من المفجوعين، لم تستوعب باوان الأسباب الكامنة وراء انتحار زوجها، لكنها تعرف على من تلقي اللوم. فحينما غادر زوجها النيبال، كان كاهله مثقلا بالديون من قبل، فالمشروع التجاري الخاسر في الديار، والرسوم العالية التي كان عليه سدادها لعميل نيبالي مقابل الحصول على وظيفة في الكويت أوصلت ديونه إلى نحو أربعة آلاف دولار، وهو مبلغ كبير في مناطق أرياف النيبال.

وساءت أوضاعه المالية عندما لم يعطه مستخدمه الجديد أي عمل في الشهر الأول، مما يعني أنه لم يستلم أية نقود. وعندما بدأ العمل، استلم فقط ثمانين دينارا كويتيا شهريا، وهو أقل من مبلغ المئة دينار التي وعد بها في عقده. بعد ذلك، بدأت الشركة بفرض استقطاعات غير مبررة، وفقا لاثنين من زملائه.


ظروف غامضة

ويزعم العمال أنهم نظموا احتجاجا، لكن لم يتغيّر الشيء الكثير. وبعد الاحتجاج، يقال إن المشرف على الشركة قام بأخذ الهوية التعريفية لراجيف، لاحتمال شكه في كونه كان زعيم الاحتجاج. 

وبدون الهوية التعريفية، لا يمكن لراجيف العمل، مع مصادرة جوازه من قبل الشركة حين وصوله للكويت، وليس بمقدوره العودة إلى الوطن. وتقول الشركة بأن راجيف قد طرد بعد الامساك به وهو يشرب الكحول، وهو زعم نفاه زملاؤه بشدة.

"إن لم تقم الشركة بالاستقطاعات المالية، وإذا دفع له راتبا جيّدا، لا أعتقد أنه كان سيقدم على الانتحار. أنا أعتقد أنه ذنب الشركة،" تقول باوان. وقدم مستخدم راجيف للصحافة دليلا يظهر أن "المستحقات المالية" له، وبضمنها تكاليف اعادته إلى الديار، قد تم دفعها إلى السفارة النيبالية في الكويت. وتقول باوان بأنها لم تسمع أي شيء من الشركة، ولم تستلم للآن راتبه الممتاز، أو أي شيء من حاجياته الشخصية، بضمنها قلادة داخل سلسلة ذهبية أعطتها إياه حينما تزوجا.

بقيت المرأة المسكينة مع الحيرة وديون زوجها فقط، وتقول: "أنا متفاجئة لماذا فعل ذلك. كنت على دراية بأنه يتعرض للضغط بسبب عدم مقدرته إعادة القرض، لكنه لم يذكر أي شيء لي." وقدمت الزوجة طلب تعويض من هيئة التوظيف الخارجي النيبالية، لكنها تخشى من أن المال الذي سيأتي سيغطي بالكاد ديونها، ناهيك عن تكاليف تعليم أبنائها. تقول باوان: "لا يسعني التفكير بالمستقبل لأنني ما أزال وسط خضم صدمة ما جرى، ولا أعلم كيف سأوفر تعليما جيّدا لأبنائي، فكل شيء يعتمد على المال. ومن عساه يريد أن يترك أطفاله في حالة من البؤس؟" 


صحيفة الغارديان البريطانية