هل بدأ التمثيل السياسي للمرأة بالتراجع؟

بانوراما 2023/05/02
...

 جوناثان يروشالمي

 ترجمة: ليندا أدور

خلال جولته الأخيرة في استراليا، عرض الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، فكرته بشأن كيفية تحويل مسار الأمور بعد أكثر من عقد من التآكل الديمقراطي، وإدارة دفة العالم نحو طريق الاستدامة والسلام، يقول أوباما: "أنا على ثقة تامة، بأنه لو تمكنّا من إجراء تجربة نمنح من خلالها إدارة، كل بلد على وجه الأرض، للمرأة لمدة عامين فقط..فإن العالم سيميل بإتجاه الأفضل".
علقت محاورة الرئيس أوباما، جولي بيشوب، وزيرة الخارجية الأسترالية السابقة، بالقول بأن النساء القياديات لن يحتجن سوى لستة أشهر فقط، مع ذلك، فالبيانات تظهر بأن أكثر الأهداف تواضعا فيما يتعلق بالتكافؤ بين الجنسين في الزعامة لا يزال بعيدا.


"لم تعد لدي طاقة"

حتى يومنا هذا، لا يزال أقل من ثلث الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة، تتزعمها نساء، وفي الوقت الذي شهد العقدين الماضيين، ارتفاعا نسبيا، بعدد النساء اللواتي تربعن على قمة السياسة العالمية، تبقى الأرقام الحقيقية منخفضة للغاية. حاليا، 12 دولة فقط من الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة تتزعمها نساء، منخفضة عن 17 دولة العام 2022، وتشير أبحاث هيئة الأمم المتحدة للمرأة، الى أنه، بالمعدل الحالي، فإن المساواة بين الجنسين في أعلى مناصب السلطة، لن يتم الوصول اليه حتى 130 عاما أخرى.

في السنوات الأخيرة، شهد ارتفاع تمثيل المرأة السياسي كزعيمة، استقرارا بعموم أنحاء العالم، قابله للثبات بتمثيلها في البرلمانات الوطنية، فيما غادرت البعض من النساء القياديات مناصبهن ليحل محلهن رجال. فمع مطلع العام الحالي، قدمت جاسيندا آرديرن استقالتها من منصبها كرئيسة لوزراء نيوزيلندا بقولها: "لم يعد لدي ما يكفي من طاقة" للقيام بالمهمة. وفي شباط، أعلنت ناتاليا جافريليتا، رئيسة وزراء مولدوفا، استقالتها من منصبها، ملقية باللوم على سلسلة الأزمات التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية. أما نيكولا ستيرجون، رئيسة الوزراء  الأسكتلندية- رغم أنها ليست ممثلة ضمن بيانات الأمم المتحدة المذكورة أعلاه، كونها تتزعم دولة ليست عضوا في الأمم المتحدة- فقد قدمت استقالتها في شباط بعد أكثر من ثماني سنوات قضتها بالمنصب بقولها: "إنها اللحظة المناسبة"، أما سانا مارين التي خسرت انتخابات حامية الوطيس جرت في فنلندا مؤخرا، لتنهي بها مسيرتها كأصغر رئيسة وزراء بالعالم. 


تهديدات متزايدة

بالرغم من ترك كل هذه الزعامات النسائية مناصبها الرفيعة لأسباب مختلفة للغاية، تحذر الدكتورة فيديريكا كاسو، محاضرة العلاقات الدولية لدى جامعة لا تروب، من أن العسكرة المتزايدة بشتى أنحاء العالم بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، يمكن أن تثير حالة من عدم الثقة بالقيادات النسائية بعموم العالم. تقول كاسو: "صحيح بأن مارين دفعت بإتجاه إضمام فنلندا الى حلف الناتو، لكن الناخبون، بشكل عام، يميلون لرؤية الرجال لكونهم أكثر مصداقية بقضايا تتعلق بالدفاع والأمن". يؤكد ذلك جزئيا، استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث والدراسات، اذ ذكر غالبية الناخبين الأميركيين بأنه لا فرق بين ذكر وأنثى كقادة سياسيين، لكن الاستثناءات الوحيدة هي في مجالات التعليم والرعاية الصحية، حيث تعد النساء أكثر فاعلية، فيما يعتقدون أن الرجال يؤدون عملا أفضل في مجالات الأمن القومي والدفاع.

بشكل غير مسبوق في السياسة النيوزيلندية،  تعرضت آرديرن الى هجمات شخصية، ففي العام 2022، أفادت تقارير للشرطة بأن التهديدات التي سجلتها ضد رئيسة الوزراء قد تضاعفت ثلاث مرات، تقريبا، على مدى ثلاث سنوات، وهو ما أشارت اليه آرديرن في خطاب استقالتها حين قالت بأن التهديدات لم تكن الأساس لقرارها بالاستقالة، لكنها "أحدثت أثرا".

عانت مارين من تدقيق تطفلي لحياتها الخاصة وسلوكها، كان أبرزها بعد ظهورها بمقطع مصور وهي ترقص مع مجموعة من أصدقائها، تقول كاسو إن تغطية الإعلام المنحازة جنسيا يمكن أن تؤثر في قدرة النساء القياديات على البحث عن تمويل وتأمين التبرعات للحملات الانتخابية. يضاف الى ذلك، الضغوط غير المتساوية لالتزامات الأسرة ومسؤولية الرعاية التي تعد سببا كامنا لتصبح فترة بقاء الزعيمة في المنصب- بمعدل يصل الى سنتين تقريبا وفقا لأبحاث بيو- قصيرة جدا.


أكثر دبلوماسية 

تكشف أبحاث أجراها البرلمان الأوروبي العام 2021، بأن المجتمعات التي تتمتع بالمساواة  بين الجنسين، تتمتع بصحة أفضل ونمو إقتصادي أقوى ومستوى أمني أعلى. 

تقول كاسو: "تشير الدراسات الى أن النساء أكثر ميلا للتفاوض والتوسط، لذا عند مواجهة مواقف صعبة مطروحة على طاولة البحث، يملن الى أن يكنّ أكثر دبلوماسية". 

في الوقت الذي يفوق فيه عدد وزيرات الخارجية بعموم العالم عدد الزعيمات، لكن لا يزال هناك عوائق تذكر، اذ تشير بيانات هيئة الأمم المتحدة للمرأة بأنه لا يزال هناك ترجيحات بمنح حقائب وزارية تتعلق بشؤون الأسرة والطفل أو المرأة والمساواة بين الجنسين، الى النساء، اكثر من حقائب الخارجية والدفاع أو الاقتصاد، مما يعني أن الطريق التقليدي للوصول الى السلطة- اي من خلال الحكومة ومناصب وزراية عليا- لا يزال يشكل صعوبة للنساء 

لإجتيازه. 

في دراسة للأمم المتحدة العام 2021، كشفت أن الدول التي شرّعت نظام الكوتا للمرشحين، شهدت ارتفاعا في تمثيل المرأة، لكن الاحصاءات تشير الى أن 13 دولة فقط لديها كابينة وزارية حققت التكافؤ بين 

الجنسين. 

أما تمثيل النساء في البرلمانات الوطنية، فيبقى أكثر تفاوتا، اذ بدءا من هذا العام، بلغ عدد الدول التي لديها برلمانات تمثل النساء فيه نسبة 50 بالمئة أو أكثر، ست دول

فقط.  


*صحيفة الغارديان البريطانية