رحلة نقطة التحول في العلاقات بين أستراليا والصين

بانوراما 2023/06/13
...

 تيفاني تيرنبول

 ترجمة: كريمة عبد النبي

بينما كان يتناول مشروبه الصباحي في احدى حانات مدينة كانبيرا الاسترالية خلال العام 1971، تلقى أحد الباحثين الاستراليين مكالمة هاتفية غيرت حياته. فعندما كان الشاب جالسا في الحانة، سمع نداءً يقول: "هل يوجد هنا شخص باسم ستيفن فيتزجيرالد؟". وعلى ما يبدو كانت هناك مكالمة هاتفية لذلك الشاب. الشخص المتصل كان رجل استراليا السياسي القوي غوف وايتلام، رئيس الوزراء المقبل.
ومن خلال المكالمة طلب وايتلام، وهو شخصية قيادية معارضة، من فيتزجيرالد؛ خبير الشؤون الصينية، مصاحبته في رحلة دبلوماسية تاريخية يقوم بها إلى الصين. ووافق فيتزجيرالد على طلب وايتلام. الغرض من الرحلة هو إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين حيث تحقق ذلك قبل خمسين عاما منذ كانون الأول 1972.


قضية خلافية عميقة

كانت الرحلة إلى الصين خطوة سياسية محفوفة بالمخاطر بالنسبة لوايتلام. في عام 1971، كان الحزب الشيوعي الصيني يشق طريقه نحو العالم وسط الحرب الباردة، إذ كان يسعى لتحسين علاقاته الخارجية والحصول على مقعد في الأمم المتحدة وسط عقبات اللاعبين الأساسيين مثل الولايات المتحدة التي كانت ترفض الاعتراف بالحزب الشيوعي كقوة شرعية حاكمة 

للصين.

يقول فيتزجيرالد" كانت أستراليا عبارة عن شعب وأمة واحدة الا أن الصين كانت السبب الرئيس لظهور خلافات عميقة في أستراليا". كان نحو ثلاثة بالمئة من سكان استراليا من أصول أوروبية فيما يعتقد أن بقية السكان ينحدرون من أصول مختلفة. وكانت الشيوعية التهديد الأكبر المثير لقلق ومخاوف الأستراليين. وحسب فيتزجيرالد "ما كان يتردد بين العديد من الاستراليين هو ما تحدثت عنه الحكومة الأسترالية المحافظة بشأن التهديدات القادمة من الصين. وكان من السهل استحضار فكرة سيطرة الصين الشيوعية على أستراليا. كانت تلك رسالة قوية.. حتى وان لم يكن ذلك ممكن الحدوث في وقت 

قريب".

من جهة أخرى، كان وايتلام قد دعى مرارا لإقامة علاقات مع الصين، ليس من باب التعاطف مع الحزب الشيوعي الصيني، بحسب فيتزجيرالد، وانما كان يعتقد أن على أستراليا أن تقيم علاقات مع بلد بهذا الحجم. ومع هذا فان بعض أعضاء حزب العمال التابع لوايتلام رأوا أن أي خطوة لعلاقات مع الصين هي "انتحار سياسي". لذلك، أضاف فيتزجيرالد، ان إتخاذ 

مثل هذه الخطوة يتطلب شجاعة كبيرة.


السفير العرضي

كان ذهاب وايتلام إلى الصين مسألة حتمية بينما كان ذهاب فيتزجيرالد مسألة حظ. لم يكن فيتزجيرالد قد اختار دراسة كل ما يتعلق بالصين، لكن كل شيء بدأ من لحظة تكليفه بالانضمام إلى دروس تعلم اللغة الصينية حينما كان طالبا في معهد الخدمة الخارجية. ولهذا دعاه وايتلام للإنضمام إلى الوفد الذي كان من المقرر أن يذهب لزيارة الصين.

يقول فيتزجيرالد "في تلك الأيام، كان علينا الذهاب برا إلى الصين لعدم وجود رحلات طيران اليها، وكان علينا الذهاب إلى هونغ كونغ ومن ثم نستقل القطار للذهاب إلى الحدود مع الصين ومن ثم كان علينا أن نستقل قطارا

آخر من الحدود إلى داخل الصين".

تجول الوفد الاسترالي في عدد من المصانع والمدارس والأماكن السياحية لمدة أسبوعين، لكن الهدف الأساس من زيارة الوفد كان لقاء رئيس وزراء الصين آنذاك شوان لاي. ولم يكن من الواضح حينها أن الوفد سيتمكن من لقاء شوان لاي إلى أن وصل المسؤولون الصينيون إلى فندق إقامة الوفد الاسترالي لاصطحابهم في سيارات خاصة. 

يقول فيتزجيرالد "تحرك موكب الوفد في شوارع بكين الفارغة نحو قاعة الشعب الكبرى، ومن خلال بعض الممرات وصلنا إلى إحدى الغرف التي كان يقف فيها رئيس الوزراء. وعند بدأ الاجتماع، فاجأ رئيس الوفد الصيني الوفد الأسترالي بدعوة الصحفيين للبقاء داخل غرفة الاجتماع. عمل هذا اللقاء والاجتماع على تحول مشاعر أستراليا نحو الصين. 

من خلال مراقبين للاجتماع، أضاف فيتزجيرالد، أدركت أن العلاقات مع الصين لن تكون كسابق عهدها بين البلدين وأن الشيء الوحيد الذي كان يقف بيننا وبين اقامة العلاقات الدبلوماسية في تلك المرحلة هو

انتخابات كانون الأول 1972.

وبعد فوز وايتلام في انتخابات أنهت حزب المحافظين الذي استمر لمدة ثلاثة وعشرين عاما. أعلن وايتلام الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية. بعد ذلك أمر بارسال دكتور فيتزجيرالد كأول سفير أسترالي إلى الصين وكان عمره آنذاك 34 عاما ليصبح بذلك أصغر سفير أسترالي على الأطلاق.

أوضح فيتزجيرالد أن وايتلام كان يأمل بأن تتمكن أستراليا من بناء علاقات مع الصين ترقى إلى مستوى علاقات أستراليا مع الدول الكبرى. ولكن، وبعد خمسين عاما على اقامة تلك العلاقات، ما زالت الأمور دون مستوى الطموح.


دروس لوقتنا الحاضر

استفادت أستراليا والصين كثيرا من الواقع التجاري بينهما، لكن العلاقات الثنائية بين البلدين سجلت أدنى مستوياتها في الوقت الحاضر حيث انقطعت الاتصالات في أعلى المستويات لمدة عامين وسط خلافات حول التجارة وحقوق الانسان والتدخلات الخارجية.

لكن رئيس الوزراء الأخير، الذي تم انتخابه قبل نهاية العام الماضي أنتوني ألبانيز أصبح أول زعيم أسترالي يلتقي بالرئيس الصيني منذ العام 2016 حيث وصف رئيس الوزراء الاسترالي لقاءه بالرئيس الصيني بأنه كان "لقاء جيدا وبناء". وقد أبدى العديد من الخبراء القليل من التفاؤل بأن العلاقات بين البلدين ستتحسن قريبا.

عن موقع بي بي سي