ويل فريمان
ترجمة: بهاء سلمان
حل رئيس الاكوادور، "غويلرمو لاسو"، المجلس التشريعي في البلاد يوم 17 آيار الماضي لأجل تفادي تصويت على عزله، بدا أنه سيخسره. واستند لاسو إلى حكم دستوري لم تتم تجربته سابقا، يعرف باسم "الموت المتبادل"، والذي يسمح للرئيس بإنهاء عمل النواب والحكم بموجب مرسوم تنفيذي، بينما يكون بمواجهة انتخابات جديدة في غضون تسعين يوما.
إدّعى لاسو أنه لا يدافع عن نفسه فقط، ولكن عن ديمقراطية البلاد، قائلا: "هذا قرار ديمقراطي، ليس فقط لأنه دستوري، ولكن لأنه يعيد السلطة إلى الشعب الإكوادوري". لكن هذه الحجة تذوي حين تدقيقها.
ومع مواجهة معارضة متعطّشة للسلطة، اختار لاسو مد سلطاته الرئاسية إلى أقصى حدودها، أو لربما أبعد من ذلك، فالدستور يسمح بفرض الموت المتبادل فقط بشروط منتقاة ربما لم تتحقق. ومع ذلك، دعم الجيش الرئيس.
لم يكن من الواضح أن هذا الأمر يصب في المصالح الأفضل للبلاد، فمن المرجح أن يؤدي اغلاق مجلس النواب إلى إثارة حالة عدم الاستقرار، ومن المفارقات أن يسرع في عودة أعداء لاسو اللدودين إلى السلطة: "رافائيل كوريا"، الرجل القوي الذي شغل منصب الرئيس لمدة عقد انتهى في عام 2017، وحزبه اليساري الشعبوي. حتى قبل الأزمة، تعرّضت البلاد لضربات من تصاعد غير مسبوق في جرائم العنف وزيادة الهجرة؛ وتنذر خطوة لاسو بمزيد من الصعوبات لواحدة من أكثر الديمقراطيات ضعفا في المنطقة.
اضطراب سياسي
الأمر لا يقبل الخطأ، فقد كانت عملية الإقالة مجرّدة من المبادئ. واتّهمت المعارضة، بقيادة حزب كوريا والمحافظين الساخطين، الرئيس بالتسامح مع الفساد في العقود الحكومية، لكنّها قدّمت أدلة قليلة تثبت تورّطه بشكل مباشر. كانت هذه هي المرة الثانية التي تحاول فيها المعارضة الإطاحة بلاسو، السياسي المحافظ المؤيد للأعمال التجارية، والذي تم انتخابه سنة 2021.
ومع ذلك، توقع القليلون أن ينجو الرئيس من الاقتراع الوشيك بشأن عزله، والذي صار استفتاء على رئاسته. لاسو القليل الخبرة بشؤون الحكومة سابقا، أخفق في كبح جماح الجريمة المتصاعدة أو محاربة انتشار الفقر والجوع ، اللذين يؤثران على 2.5 مليون إكوادوري. ولم تخصص حكومته إلا القليل جدا من الإنفاق العام بنحو محفوف بالمخاطر، رغم امتلاكها لاحتياطيات غير مسبوقة مع ارتفاع أسعار النفط. الأسوأ من ذلك، انغمس لاسو في الخطابات العلنية الانتقادية ضد المعارضين والصحفيين الأكثر اصطفافا مع خصومه الشعبويين. ويتزايد الحنين إلى كوريا، مع أنه حكم البلاد بشكل استبدادي.
بالنظر إلى أن إقالته من المنصب كانت شبه مؤكدة، فقد كان قرار لاسو بحل مجلس النواب عقلانيا من الناحية السياسية، ولكنه محفوف بالمخاطر من الناحية الديمقراطية لعدة أسباب. أولاً، تخاطر خطوة لاسو بتقويض الشرعية الهزيلة بالفعل على مؤسسات الدولة، فعندما يحكم الرؤساء المدعومون شعبيا بموجب مرسوم قضائي، يمكن أن يكون ذلك خطيرا؛ وعندما يحكم رؤوساء لا يحظون بشعبية، فقد يتسببون بكارثة.
فشل متعدد الأوجه
تقدم لاسو إلى جولة الإعادة التي جعلته رئيسا بأقل من عشرين بالمئة من الأصوات، وأعلن فوزه بفارق ضئيل بفضل الدعم المقدّم من قبل ناخبي يسار الوسط والوسط، المستعدين للتغاضي عن نزعته المحافظة لتجنّب عودة التيار الشعبوي غير الليبرالي بزعامة كوريا. لكنه منذ ذلك الحين، عمل على إبعاد هؤلاء المناصرين له، مترافقا مع فشله بإرضاء قاعدته من المحافظين. كان تشريعه الرئيسي الوحيد هو الإصلاح الضريبي الذي فرض خسائر فادحة على الطبقة الوسطى.
في غضون ذلك، هزّت الفضائح حكومته، فقد بات رفاق الرئيس المقربون من ذوي المناصب العليا المتهمين بالفساد والارتباط بالجريمة المنظمة من الهاربين، ولقي البعض حتفهم. واعتبارا من بداية شهر آيار الماضي، انخفضت نسبة تأييد الرئيس أقل من 14 بالمئة. ومع ذلك، وبعد لحظات من إغلاق المجلس، أخبر أحد وزراء لاسو الصحفيين أن حكومته ستستغل هذه اللحظة لإصدار عدد من المراسيم التنفيذية العاجلة.
وتعهّدت جماعة ضغط جلّها من السكان الأصليين، وهي صاحبة نفوذ في البلاد، بشن احتجاجات إذا إستخدم لاسو سلطاته الأحادية الجانب، فبدلا من ستة أشهر من الحكم القوي، تواجه البلاد المزيد من الضعف التنفيذي مع انتشار التحديات بشكل كبير.
من ناحية أخرى، فإن إغلاق لاسو للمؤسسة التشريعية يمكن أن يعزز بشكل جيّد من موقف كوريا، فخلال فترة حكمه، قلل الرئيس الشعبوي السابق من حالة عدم المساواة، إلا إنه أيضا قام بمضايقة الصحافة والمعارضة والتجسس عليها، بنفس الوقت الذي كانت فيه الديون الخارجية تتراكم على البلاد، مع ابتعادها عن الولايات المتحدة لتتوجه نحو الصين وروسيا وإيران.
وبحلول الوقت الذي غادر فيه كوريا منصبه سنة 2017، كانت البلاد قد ابتعدت أكثر عن الديمقراطية، ليعمل من حكم البلاد لاحقا على عكس هذا الوضع لحد ما، لكن تبقى الاكواردور ذات ديمقراطية منقوصة.
حب الزعامة
لا تكمن مشكلة الحزب السياسي الذي يقوده كوريا، والمسمى "كوريسمو"، في اليسار الاقتصادي أو المحافظة الاجتماعية، حيث سارا كلاهما نحو المزيد من الاعتدال مع مرور الوقت، إنماهو ميل الحزب إلى التركيز والتشبث بالسلطة، فكوريا لم يغادر منصبه بهدوء، وحاول دون جدوى تثبيت خليفة مرن. ومنذ عام 2020، ذهب للإقامة في بلجيكا لتفادي إدانته بالفساد ولإعداد خطط مقلقة لعودة حزبه إلى السلطة، شملت استبدال دستور الإكوادور لعام 2008 لمساعدته في تطهير الحكومة من المعارضين.
وبرغم كون حزب كوريا هو الأكبر في مجلس النواب، إلا أنه حث لاسو على حله على مدى عدة أشهر، متوقعا، لسبب وجيه، أن الانتخابات المبكرة سوف تكون في صالحه؛ وعندما فعل لاسو ذلك، احتفل كوريا بشكل علني.
أخيرا، كلما زاد النشاط الذي يبذله ساسة الاكوادور على المعارك السياسية، كلما قل اضطرارهم لخوض المعركة الأكثر إلحاحا في البلاد، إلا وهي محاربة الجريمة المنظمة؛ فقد تجاوز معدل جرائم القتل في الإكوادور العام الماضي ما موجود في المكسيك، كما أصبحت الاغتيالات السياسية وعمليات الخطف والسيارات المفخخة التي تغذيها المخدرات شائعة بشكل مقلق في البلد الذي كان ينعم بالسلام في يوم من الأيام، وهو الأمر الذي يرهق السلطات.
تقوّض الأزمة السياسية الحالية الأمل في إحراز تقدم نحو إكوادور أكثر استقرارا، فمن غير المرجح أن تساعد صلاحيات لاسو في إصدار المراسيم بالنظر إلى سجله المخيّب ودعمه المحدود. وعندما بدأت أحداث عزل الرئيس عن منصبه، كانت الإكوادور تواجه مجموعة من الخيارات السيئة؛ ولسوء الحظ، ربما اختار الرئيس أسوأ تلك الخيارات.
صحيفة لوس انجلس تايمز الأميركية