عبير سلمان وميك كيرفر
ترجمة: بهاء سلمان
تعد أشجار النخيل المصطفة على طرق هذه المدينة الصحراوية القريبة من البحر الميّت مشهورة منذ ألف سنة: "الأرض المنبسطة لوادي أريحا، مدينة أشجار النخيل" كما مكتوب في سفر التثنية من العهد القديم؛ التوراة. ولطالما عمل جمال المدينة ومواقعها الآثارية، مع أحاديث بكونها أحد أقدم المدن في العالم وأوطئها تحت مستوى البحر، على جعلها مركز جذب للسياحة العالمية؛ كما تضم قصورا أنيقة للعديد من الأثرياء الفلسطينيين لقضاء العطل فيها.
ولغاية وقت مبكر من هذا العام، كانت أريحا أحد أهدأ مدن الضفة الغربية المحتلة من قبل اسرائيل، حيث كان من المرجح مواجهة السكان للسواح بدلا من الجنود الاسرائيليين. حاليا، تشهد أجزاء من المدينة، وخصوصا مخيّم "عقبة جبر" للاجئين، مناظر الملصقات المحتفية "باستشهاد" المواطنين المقتولين على يد الجيش الاسرائيلي، كما تشوّه ثقوب الاطلاقات بعض المنازل؛ وقد قتل تسعة أشخاص هذا العام حتى الآن. وباتت المدينة تشبه المناطق المتوترة في الضفة الغربية، مثل جنين أو نابلس.
ويؤوي مخيم عقبة جبر آلاف الفلسطينيين الذين يقيمون هناك منذ هروبهم أو طردهم من ديارهم سنة 1948، خلال تأسيس اسرائيل. وتدعي القوات الاسرائيلية تصعيد الهجمات من المخيّم منذ بداية السنة، وأنها تقوم بأعمال "استخباراتية دقيقة" لمنع هجمات مستقبلية.
ترهيب المواطنين
وكان الاسرائيلي الأميركي "ايلان غانيلز" قد قتل خارج أريحا في شباط الماضي، وقبلها بأسابيع، أشار الجيش الاسرائيلي لعملية فاشلة حاول فيها مسلحون فتح النار على إحد المطاعم الاسرائيلية، لكن سلاحهم تعطّل أثناء العملية. وترفض ريناد حمدان، ابنة العشر سنوات، هذه التفسيرات وتعدها عسيرة الهضم، فقد قتل شقيقها محمود، 22 سنة، في مطلع آذار خلال عملية اقتحام اسرائيلية للمشتبه بقتلهم غانيلز.
وتنهمر دموع الفتاة المسكينة كل يوم أسفا على شقيقها، مع مواساة والدتها لها. وتصطف رايات ضخمة مع صور لمحمود خارج المنزل، وتقول: "لا أعرف ماذا أفعل حينما أسمع إطلاق الرصاص. أترك الأمر لله، وقد اعتدّت هذا الأمر لأن الجنود يأتون دائما إلى
المخيّم."
وتقول عائلة محمود أنه كان عائدا إلى المنزل من العمل حينما ألقي القبض عليه خلال الاقتحام الاسرائيلي، ليلقى حتفه. وأشار الاسرائيليون آنذاك إن قواتهم أطلقت النار "على عميل سري حاول الهروب من مسكن
يتمركز فيه ارهابيون."
ولكونه رئيس لجنة مساكن مخيّم اللاجئين، يتصدى جمال عوادات لمواجهة الموقف المتعلق بالعنف والحرمان من الخدمات الأساسية المتعثرة لفترة طويلة، بسبب الإضراب الفلسطيني الذي طال لعدة أشهر، ليفاقم الأوضاع التي أحدثتها تصرفات الجيش الأسرائيلي.
يقول عوادات: "أعمال القتل التي يمارسها الاسرائيليون لن تجلب لهم الأمان بأي حال، فالقتل سيولّد ثوار، فعندما تقتل فردا لديه أربعة اشقاء، سيريد أحدهم الانتقام." ولا يشك المسؤول الفلسطيني بكون الشباب المحيطين به يشعرون بالاستياء والهيجان، لكن هذا لا يجعلهم التهديد الارهابي الذي تزعم السلطات الاسرائلية إنهم يمثلونه، بحسب وصفه. "هؤلاء شباب شاهدوا ما يحصل في جنين ونابلس، وعموم فلسطين؛ بالتالي قرروا أن يكونوا من الثوار."
وزعمت حركة حماس بكون خمسة من المقتولين التسعة في المخيّم هذا العام من اتباعها، ولا توجد إشارة لكون الأربعة الباقين، وبضمنهم مراهقان إثنان، أعضاء لحركات مسلحة.
وتقول مصادر الجيش الاسرائلي أنها دخلت المخيّم بسبب "عدة تحذيرات من هجمات محتملة، وأنها تعمل وفقا لاستخبارات دقيقة، وإن من لايساهم بالأعمال "الارهابية" يواصل حياته بشكل معتاد."
اجراءات تعسفية
أنشأت القوات الاسرائيلية نقاط تفتيش في مداخل ومخارج مدينة اريحا، مسببة طوابير طويلة تمتد لساعات، فوقع 25 ألف شخص ضحية
الطوابير.
الحصار الاسرائيلي كان له تداعيات مدمرة على اقتصاد المدينة، بحسب عبد الكريم سدر، عمدة أريحا؛ فالحال لم يتعلّق بالسياحة الداخلية والخارجية فقط، بل تعداه إلى كل شيء، من إدارة النفايات وحصاد المزارعين، مكلفا المدينة مئة مليون دولار خسارة بالواردات هذا العام لوحده.
ومع إقرار العمدة باحتمال وجود مسلحين داخل المخيّم، حث السلطات الاسرائيلية على إعادة التفكير بستراتيجيتها: "المدينة هادئة للغاية، والناس لا يفهمون حقا سبب ما يجري. لربما هناك شخص مطلوب، لكن الواقع ليس بنفس الطريقة التي يسعون لتهويل الأمور
بها.
تصعّد حالة القتل والاصابات والاعتقالات اليومية الأوضاع، وتزيد من عدد مقاتلي المقاومة. إذا اعتقدت اسرائيل بأن الاجراءات العقابية المفروضة من قبلها ستقلل أعداد مقاتلي المقاومة، فهي واهمة."
ويعرب سدر عن خشيته من أن تفقد أريحا، التي يطلق عليها "مدينة القمر"، سمعتها كواحة هادئة وسط الصحراء، ويضيف: "بالطبع، أنا خائف، فاذا استمرت حالة الاغلاق خلال عطلة عيد الأضحى القادمة، ستكون هناك هجرة جماعية للمستثمرين من أريحا، وسيتكاثر مقاتلو المقاومة، الأمر الذي سينقل المدينة إلى تصنيف
مختلف."
صحيفة الاندبندنت البريطانية