كفاحٌ لاستعادة تمثال مقدس

بانوراما 2023/06/25
...

 كيم جاكانيتسا

 ترجمة: كريمة عبد النبي

عندما رأت الناشطة الكاميرونية سيلفي جوباتي التمثال المقدس لشعب الغونزو للمرة الأولى، كانت ترتجف. تقول الناشطة جوباتي: "كانت رؤيتي لتمثال مؤسسة مملكتي، مملكة شعب الغونزو، وهو داخل صندوق زجاجي، مشهدا مؤثرا". كان التمثال، حين رأته جوباتي لأول مرة، معروضا في أحد متاحف العاصمة الألمانية برلين.

يمثل التمثال الملكة الأم لشعب الغونزو وهم مجموعة لها ثقافتها الخاصة في الكاميرون وتعود أصولهم إلى القرن الرابع عشر الميلادي. 

انتقل التمثال إلى أوروبا قبل نحوي 120 عاما بعد أن تم نقله من قبل أحد المستعمرين الألمان انذاك.

في عام 2008 أقسمت الناشطة جوباتي لجدها أنها ستعمل على إعادة تمثال الملكة الأم غونزو، الذي يمثل التاريخ والهوية لشعب الغونزو الكاميروني، إلى البلاد. وبعد هذا التاريخ بثلاث سنوات، وجدت جوباتي نفسها وجها لوجه مع التمثال المصنوع من الخشب المنحوت بارتفاع متر واحد وكان موضوعا داخل صندوق زجاجي. جاءت الرحلة التي قطعتها جوباتي لاستعادة التمثال تلبية للوعد الذي قطعته لجدها، ذلك الوعد الذي غير حياتها بصورة 

جوهرية.

كانت الناشطة تأمل أن تشكل عملية البحث التي بدأتها دافعا للآخرين لاستعادة القطع الفنية الأثرية التي تمت سرقتها من الكاميرون خلال فترة الاستعمار. بدأت رحلة جوباتي للبحث عن هذا التمثال بالانتقال من منطقة شمال غرب البلاد الناطقة باللغة الانكليزية إلى الالتحاق بجامعة تقع في منطقة من بلادها ناطقة باللغة الفرنسية حيث بقيت تلك الانقسامات في هذه المناطق من بلادها التي كانت جزءا من الامبراطوريتين الانكليزية 

والفرنسية.

وحسب جوباتي فان الانتقال من منطقة إلى أخرى كان صعبا للغاية وتوجب عليها أن تكافح من أجل أن تتكيف مع هذا التغيير. 

وأضافت: "بهذا التغيير بدأت أفهم نفسي ومن أكون بعدما تركت خلفي كل ما يتعلق بثقافات الاستعمار والقوانين الاستعمارية التي ورثتها من فترة الاستعمار". 

ونتيجة للصراع من أجل الهوية الذي عانت منه هذه الناشطة فقد عادت إلى مسقط رأسها للحصول على النصيحة من جدها الذي مر بتجربة المعاناة من أجل الهوية. أعرب الجد عن حزنه العميق ليس لما فقده هو بل لما فقده شعب الغونزو على المستويين الثقافي والمادي بما في ذلك فقدان تمثال الملكة الأم. وطبقا لتراث شعب الغونزو، فان الملكة الأم هي المؤسس لمملكة الغونزو التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر 

الميلادي. 

وبعد وفاتها حضي التمثال بأهمية كبيرة إذ كان يعد بمثابة حجر الزاوية لثقافة شعب الغونزو.


رحلة التمثال

في عام 1902 نقل الضابط الألماني كورت فون بافل التمثال من الكاميرون خلال فترة الاستعمار وأهداه إلى متحف برلين الأثنولوجي في ألمانيا. وعلى الرغم من جميع الطلبات التي قدمتها الكاميرون لاستعادة التمثال، إلا أنه بقي في ألمانيا منذ ذلك التاريخ.

وتتذكر جوباتي رغبة جدها بأن يرى التمثال وقد تمت إعادته إلى الكاميرون. تقول جوباتي "لقد أعرب لي جدي عن رغبته بعودة التمثال ليراه ولو لمرة واحدة قبل أن يغادر الحياة". لذلك أقسمت جوباتي لجدها أنها ستبذل قصارى جهدها للعمل على إعادة التمثال إلى الكاميرون ، ليس من أجل جدها فحسب، بل من أجل استعادة تراث شعب الغونزو. بدأت جوباتي بالبحث عن كل ما يتعلق بالتمثال وعمليات البحث السابقة التي فشلت بإعادته إلى الكاميرون.

 وعلى مدى عدة سنوات تم إرسال العديد من الرسائل إلى ألمانيا تتضمن طلبات باستعادة هذا التمثال.

وتقول جوباتي: "كانت الطلبات السابقة لاستعادة التمثال موجهة إلى أي شخص في موقع مسؤولية في ألمانيا للمساعدة باستعادة تمثال الملكة الأم". 

لكن جوباتي قررت أن تسلك طريقا آخر حيث بدأت بحملة توعية واسعة عبر الاجتماعات والمقابلات في المناسبات الاجتماعية وإجراء لقاءات فردية وكذلك من خلال هاشتاك بعنوان # أعيدوا تمثال الملكة الأم.كما تمكنت جوباتي عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، من الاتصال بمتحف الأثنولوجي في برلين. في عام 2021، علمت جوباتي أن التمثال سيتم عرضه في منتدى هامبولت حيث شدت رحالها لتصل إلى مكان العرض في ألمانيا لتحتج خارج المكان مع عدد من الناشطين. كانت هذه هي المرة الأولى التي ترى فيها جوباتي التمثال. ومنذ ذلك الحين كثفت جوباتي حملتها 

لاستعادته.


ثمرة الجهود

بدأ الكاتب النايجيري شيماماندا، إضافة إلى آخرين، بالحديث عن تمثال غونزو وعن شعب الغونزو. حينها بدأت جهود جوباتي تؤتي ثمارها حيث تم عقد اجتماع معها ومع رئيس مؤسسة الثقافة والآثار البروسية هيرمان بارزنغر. تضم هذه المؤسسة 19 متحفا من مختلف أنحاء العالم بضمنها منتدى هامبولت الألماني. وقد قدمت جوباتي خلال الاجتماع طلبا لهيرمان لاستعادة التمثال. 

كان الحديث خلال هذا الاجتماع على الأخص صعبا للغاية بالنسبة لجوباتي إذ علمت في ذلك الوقت بوفاة جدها قبل أن يرى عودة التمثال إلى البلاد. تقول جوباتي" عندما اتصلت بي والدتي لتخبرني بوفاة جدي انتابني شعور من الحزن العميق".

وعلى مدى أشهر بعد ذلك الاجتماع، بدأت الأمور تأخذ منحى آخر لكنه كان بطيئا. كان المتحف، وعلى مدى سنوات، يدعي أنه المالك الشرعي لهذا التمثال لكنهم أصدروا الآن بيانا اعترفوا فيه بأن التمثال تم أخذه تحت ظروف عنيفة. كان هذا البيان خطوة بالاتجاه الصحيح.

وعندما تم إبلاغ جوباتي بأن قرارا وشيكا سيتم اتخاذه بخصوص إعادة التمثال إلى الكاميرون،  غادرت إلى ألمانيا بعد أن بقي خارج البلاد لأكثر من قرن من الزمان. وتعلق: "كان القرار لحظة مؤثرة جدا وصرخت قائلة "وأخيرا حدث ذلك" ليس لي فحسب بل لشعب الغونزو وللكاميرون ولكل أفريقيا".

وعلى الرغم من عدم تحديد موعد لإعادة التمثال إلى الكاميرون، الا أن الاستعدادات قائمة من قبل شعب الغونزو لاستقبال التمثال. وبالنسبة لجوباتي فانها تعتبر الموافقة على إعادة التمثال إلى بلدها نصرا شخصيا لها ولبلدها وللعالم.


عن موقع  (بي. بي. سي) البريطاني