ليس تناصّاً.. إنها سرقة

منصة 2023/09/18
...

  مرتضى الجصاني

غالبا ما يشتبك علينا مفهوما التناص والسرقة بحيث يصعب التفريق بينهما مما يجعل الجدل كبيرا حول عائدية الأفكار إلى أصحابها، كما أصبح التناص هو الباب الآمن للهروب من سرقات الأعمال الفنية وبداية لنعرف معنى التناص اصطلاحا.
« التناص اصطلاحًا هو العلاقة التي تربط نصًّا أدبيًا بنصٍّ آخر أو استحضار نص أدبي داخل نص أدبيّ آخر، وهو مُرتبط بوجود علاقات بين النصوص المُختلفة، ويقوم على فكرة عدم وجود نص بدأ من العدم فكلّ نص موجود هو مُعتمد في وجوده على نص آخر إمّا في الفكرة وإما في استخدام التراكيب والألفاظ”. وتُعد جوليا كريستيفا رائدة هذا المُصطلح حديثًا حيث ظهر هذا المُصطلح جليًّا ومُتكاملًا لأوّل مرّة في مقالاتٍ لها. واعتبرت جوليا كريستيفا كلّ نص هو لوحة فسيفسائية من الاقتباسات من نصوص أخرى، فكلّ نص هو مُتضمّن لنص سبقه، ولا بُدّ أنّه تفاعل معه ليخرج بصيغته الجديدة، كما عدَّ رولان بارت أنّ الأدب هو نص واحد وكلّ نص يتفاعل مع مجموعة نصوص سبقته ليُعيد توزيعها بشكلٍ جديد وربما هذا النص الذي نحن بصدده الآن هو تناص مع نصوص أخرى مختلفة. وشاهد الكلام ليس التناص في الأدب فهذا أمر استغرق فيه النقاد زمنا طويلا وهو يتناول النص المحكي والمخيال الأدبي الذي يختلف كليا عن النص المرئي والعمل البصري. نعم تداخلت بعض مصطلحات الفلسفة والأدب مع النص البصري في بعض المدارس الفنية وخصوصا في السوريالية. لكن هذا أيضا لم يكن عبثيا أو عن طريق السرقات وتوظيفها بشكل لا ينتمي للعمل التشكيلي بل كان مستلهما للمنظومة الفلسفية لمفهوم السوريالية وتحويلها إلى نص بصري عن طريق الأعمال الفنية، وعادة يصعب التمييز بين التناص وبين السرقة لأن ظاهرهما متشابه لكن جوهر كل منهما مختلف تماما حيث يستند التناص كما أسلفنا على التفاعل مع النصوص السابقة وذوبانها في نص جديد عبر صياغات جديدة في حين تنحو السرقة منحى مختلف كليا حيث تتعدد أشكالها ومسمياتها بين الانتحال والتضمين وغيرها والحقيقة ما نراه حاليا هو ليس سرقة فحسب بل هو سيل جارف من السرقات والعبثية والبلطجة، ولا يستطيع أحد أن يوقف هذا السيل المرعب، وإذا تجاوزنا هذا اللغط العقيم كله، كيف لنا أن نتجاوز سرقات فنانين يمتلكون اسما فنيا لأفكار ونتاج فنانين مغمورين أو فنانين من دول بعيدة لا صلة للجمهور بها وتسويق هذه السرقات على أنها فكرة مبتكرة من “بنات أفكار الفنان” وإذا ما تم كشف سرقاته تحجج بالتناص ودلائله هنا وهناك وبذلك يدخلنا في دائرة مغلقة حول من سبق من؟ والحقيقة الأمر واضح وبعيد عن الاشكاليات لكنه يضعنا تارة في دوامة التناص وتارة أخرى في دوامة السبق التي لا يمكن الحكم من خلالها لأسباب كثيرة منها تزوير تاريخ النشر نفسه.
غير أن التأثر والتأثير الفني هو ما نشأت عليه المدارس الفنية بأكملها وهو الذي يغني العمل الفني بكل تفاصيله والتأثر عادة يمكن التصريح به غير أننا بصعوبة نجده في أعمال الفنانين المحترفين لأن هدف التأثير هو إيصال فكرة الفنان الخاصة التي نمت من خلال هذا التأثير وليس نقل التأثير نفسه وعادة ما يفتخر بذلك الفنان نفسه ويذكر تأثره بمن سبقه أو حتى بمن عاصره، والتأثر إما يكون نظريا أو من خلال التقنية واللمسات التي تصبح ضمن أدوات الفنان وتصبح شيئا في اللاوعي وهو نوع من التفاعل مع أعمال السابقين يستحضره الفنان في لحظات العمل دون الشعور به ، أما أن تسرق وحدات وعناصر وثيمات لوحات الآخر وتوظفه بأسلوبك ثم تطلق عليه مسميات من قبيل التناص وغيره فهذا ليس تناصا أنها سرقة.