صناعات

ثقافة شعبية 2024/01/25
...

كاظم غيلان 



تعتمد الشركات المصنعة للأدوية وحتى غير الأدوية عبارة تحذيريَّة تشير لتاريخ نفاذ المادة وانتهاء صلاحيتها وبما يصطلح عليه الـ (اكسباير- expire)، وهذا ما ينبّهنا كمستهلكين لانتفاء حاجتنا لهكذا مواد. 

في عالم الأدب هناك العديد من الأسماء التي وقفت خلف صناعتها وروجت لها بكل ما تمتلك من وسائل دعائية، مؤسسات، أحزاب، طوائف، مناطق ....الخ، وأخرى كانت افرازات لحوادث وظواهر تاريخيَّة، وجدت الجهات المصنعة لها حاجة لـ (نفخها) وتلميعها، بمقابل ذلك ركبت أوهام المجد والشهرة عقول هذه الصناعات التي تشبّثت بـ (عشبة) خلود نستها الأساطير .

هذه الصناعات لا يستهان بما حققت من ارباك تاريخي، ذلك ما حصل حتى في سجالات امتدت ليومنا هذا بشأن ريادة القصيدة العربيَّة الحديثة التي ولدت في عراقنا المثقل بمعاركه السياسيَّة، ولربما أسهمت في غياب الإنصاف التاريخي على المستوى الإبداعي بدعم وتزكية النقد الذي خضع هو الآخر لأهواء السياسة؛ ولذا لم يكن نقداً بقدر ما كان لغواً عاطفيَّاً خجولاً متساوماً على حساب القيم الإبداعيَّة والجماليَّة كنتاج إنساني. 

في شعر العامية العراقيَّة حصل مثل هذا وبشكل سافر. به مما هو مقرف وهزيل ومحط تندر ما لا تسع هذه المساحة من الصفحة ذكر تفاصيله لا سيما شعر الحرب وما تلاها من خراب، الأمر الذي دفعنا لأن نرى القصيدة العامية عارية إلا من ثوبها (الخاكي أو الزيتوني) في محاولات شرسة لازاحة كل ما تراكم على جسدها من عطر أرض ومسك وهال أسهم في صناعة جسدها الجمالي الذي شكل مصدراً لانبثاق الغناء الذي خلد ليومنا هذا برغم كل ما بث وضخ من نشازات وقبح صنعته مؤسسات الخراب. 

ولكي لا أبعد أكثر، أعود لتلك الصناعات ولتكن المسابقات وما أنفقت المؤسسات الإعلاميَّة عليها ولنسأل: أين اختفت طاقات نتائجها؟

أين اختفت المهرجانات التي لم يبق منها حتى ضجيجها المقرف بفضل صراخ هستيري ابتدعه واورثه للأجيال الجديدة شعراء الحروب والمعسكرات؟.

أين اختفت واجهات ثقافة حروب ومعارك أحزاب كانت القصيدة ذبيحتها الأولى لرخص عنقها الذي سحبته لدكة الذبح أيادي شعراء الجمعيات؟

لقد انتفى، وأن بقي من تلك الصناعات ما هو معلب وغير معلب، فقد بات بلا مفعول، والصقت عليه الذائقة الناصعة تأشيرة الاستهلاك، ولم يظل لأبطال وبطلات صناعته سوى ذكريات تشظت هنا وهناك .

عن كل هذا ردت الموهبة بوصفها الأبقى من كل تلك الصناعات ولعل في بيت واحد قاله (الملا منفي النجفي) الإجابة الوافية:

(هزني الهوى ابكل حيله 

ولن شاعر مسويني).

فقد – سواه- الشعر كموهبة ولم – تسويه- شركات الثقافات

الميتة.