أصدقاء الحقيقة

الأولى 2024/07/28
...

الشائعة أقوى انتشاراً من الحقيقة، ومن هنا استمدّت اسمها لأنها تشيع سريعاً ولأنَّ متناقليها أكثر عدداً ممن يتناقل الحقائق، إذ الحقيقة لا أصدقاء لها.
وطبيعيّ أنَّ ما تتداوله الألسن من شائعات سيكون له تأثير أقوى بكثير حتى مما يعايشه الناس أو يرونه عياناً، لأنَّ الشائعة لا تُطرح بوصفها معلومة أو خبراً بل هي في غالب الأحيان تُلقى باعتبارها سرّاً انكشف أو تسريباً من مصدر أو فضحاً لمؤامرة. والسرُّ أشيع من الخبر فقد قالت العرب قديماً: "كلّ سرّ جاوز الاثنين شاع". وفي تداول الأسرار لذة ومتعة لا توجدان في تناقل الأخبار حتى الحقيقيَّة منها، أو كما قال أبو حيان التوحيدي في جملته العميقة الطريفة "لأنّ في السرِّ مسحة من العدم فهو يحنّ أبداً إلى الوجود".
وسائل التواصل التي تستقطب الملايين احتلّتْ مكان وسائل الإعلام وسرقتْ وظيفتها، وهي أرض خصبة لخلق الشائعات ونشرها بسرعة فائقة، ولهذا نجد في فيسبوك وتويتر عشر شائعات فبركها أناس لا علاقة لهم بالصحافة مقابل كلّ خبرين يتيمين تعب صحفيون حقيقيون في تحريرهما.
للشائعة مفعول سمّي، فهي تفعل فعلها ببطء إلى أنْ تُصبح رأياً عامّاً، والتصدّي لها صعب، لأنَّ الحقيقة ليستْ ممتعة.
أمس كشفت وزارة الداخليَّة عن أنها رصدتْ 2362 شائعة أتقن أصحابها طرحها ونشرها في وسائل التواصل، أغلبها سياسيّ طبعاً والكثير منها اقتصاديّ، وفيها ما هو متعلق بالصحّة.
لا حلول جاهزة للشائعة ولا أمل في القضاء عليها، ولهذا كان الله في عون الأجهزة المتصدية لها، والرامية إلى كشف الحقيقة التي ليس لديها أصدقاء كثيرون.