سناء هيشري: عفويَّة الألوان تحررّ الواقع

ثقافة 2024/07/31
...

 هويدا محمد مصطفى 


اللوحة تتطلّب دائماً ضربة من الجنون لتتميّز عن الآخرين، تقول الفنانة التونسية البلجيكية سناء هيشري إن إدماج نوع من تقنياتي بطريقة عفوية واللّعب بالألوان يجعلني أتحرّر من الواقع، ومن القيود وأخرج من نفق المعتاد". فهذه الطريقة لدى هيشري تبقى في حدود التفاصيل الدقيقة والنعومة اللافتة في تجسيد الوجوه، وتمنح اللوحة في أماكن أخرى سماكات وحركات عفوية، وهو ما يحول الإبداع إلى علاج وفقا

لتعبيرها. 

فمن بروكسال وتونس إلى الإمارات العربية.. كانت رحلة سناء هيشري الفنية وتتواصل إلى يومنا هذا، لقد منحتها دبي وطنا لفنّها ومسكناً للوحاتها وروحا وجمالا، فالإمارات موجودة في أعمالها ورائحة عطرها المسك والعود يفوح من ألوانها.

*ماذا عن اختصاصك وتخرجك من محترفات المعهد العالي الملكي للفنون الجميلة في بروكسل، وما هي بحوثك ومؤلفاتك؟

- تعليمي بالأكاديمية الملكية للفنون الجميلة ببروكسل وتدريبي على يد كبار الأساتذة والمختصّين بالفنون التشكيلية ببلجيكا وفرنسا كان لهم دور هام في انماء وتطوير روح الإبداع لديّ، وكانت ثمرة جهدي تأليفي لكتاب فنّي جمعت فيه لوحاتي، وكان لكل لوحة حكاية من تأليفي.

* ما مدى تأثير دراستك الأكاديمية على حياتك ولوحاتك؟

- دراستي بالأكاديمية جعلني شخصيّة مختلفة من حيث التفكير والسلوك والانضباط، كما أُتيحت لي فرصة رفع مستوى المعرفة في اختصاص الفنون التشكيلية من رسم و نحت وغيرها. أنا أعتبرها أعوام رؤية عن المستقبل والكون الفني بشكل أوضح. 

*نستشف في أعمالك الإيقاعات اللونيَّة العفويّة، وفي اللوحة ذاتها الدقة في معالجة ملامح الوجه، لماذا هذا التنقل؟

- مزاج مختلف في الفّن والرّسم التلقائي مع الدقّة والتفاصيل عناصر أساسية في عملي. ولتحقيق تأثيرات مختلفة تصبح اللوحة ثريّة تارة، استخدم الفرشاة للدقة في ملامح الوجه وليكون ملمسا ناعماً، وتارة استعمل السكين بطريقة عفويّة لا تحصّل على السُمك، كما أن هذه التقنية استخدمها لصناعة تأثيرات على اللوحة والكثير من الأشكال. 

*لوحاتك زاخرة بمواضيع الوجوه (بورتريهات).. لماذا التركيز على هذا الموضوع وتحديدا بورتريه للمرأة؟

-لأن المرأة هي العالم والحياة والجمال والقوة والعاطفة.. المرأة تلعب دوراً أساسياً ورئيسا. وأكتب عن إنجازات النساء على مر التاريخ. وأبعث برسالة إلى كل أمّ من خلال مقولة سقراط: عندما تثقف امرأة، فإنّك تُثقف شعباً. وأقول لها نجاح المرأة هو انعكاس لتربيتها وثقافتها منذ 

صغرها. 

*تقتنصّين زهوة البريق اللوني "ألوان الشرق الزاهيَّة" ما مدى ارتباط ذلك ببقايا ذكريات طفولتك في تونس؟

- تونس ليست ذكريات، بل هي مشاعر حيّة تنبض لن تموت، وكيف لي كفنانة تونسيّة أن لا أُبدع وأستلهم فني من الخضراء تونس ومن القيروان وقرطاج وسيدي بوسعيد هذه المدينة المُغطّاة بألوان النّبل والنّور والخير، من أزرق وأبيض الألوان عالمي وكوكبي، والتي أعتبرها شيئا فريدا أكثر من البصمة، وهي التي تكشف عن شخصيّة الفنّان ومزاجه ومشاعره، لذلك ابتعد كل البعد عن الألوان الكئيبة لِتكون للوحاتي مكانة 

خاصّة.

*تقيمين نوعاً من التوازن بين العقلانية الصارمة والعاطفية الهادئة، بين الرقة والحدة، بين الشفافية والكثافة، ماذا عن هذا التنوع التقني؟

-العقل هو المنظم الرئيسي للعاطفة، وكلاهما مهميّن بالنسبة لي، ولا ينفصلان في عالمي الفنّي التّشكيليّ لفهم العالم والقيام بالبحوث والدراسات واتخاذ القرارات المناسبة للوحاتي. 

*تلتقين مع أساليب الفنانين القدامى والمحدثين معاً، حين تمدين لوحاتك بثمرات خبراتك التقنية المتحررة أو العفوية، هل يمكن أن تصلي إلى التجريد؟

- السريالية والتجريدية والتعكيبية وغيرها من المدارس والمذاهب والأشكال الفنية التي ينتمي إليها ويتتبعها الفنانون، والتي أُحاول تجاوزها وخلق مدرسة خاصة بي، ومنهج ومذهب فني بعيد عن الطرق التقليديّة المُتعارف عليها.

*تطرحين الموضوع كقضيّة جمالية وثقافيَّة، بهدف الوصول إلى جوهر التعبير عن الأحاسيس الإنسانيّة، ما مدى علاقة لوحة بمشاعرك وبثقافة فنون العصر؟

- إني أجمع بين الثقافة والرسم، فجمال الفن يساهم بقوة في تحديد وإثراء ثقافة الإنسان، ولا يُمكن أبدا فصل الجمال عن الثقافة. علاقة لوحتي بمشاعري علاقة تزاوج.

اذ أنّ هناك طرقا كثيرة للرسم، بالنسبة لي طريقي الوحيد قائدة المشاعر، هي التي تقودني إلى مراحل الرسم واتخاذ قرارات اختيار ألواني، فهي الشيء الوحيد الذي أثق به، وهي طوق النجاة في الوقت الذي تتكاثر في رأسي الأفكار ولا أعرف أيّها اختار.

*كلمة أخيرة؟

- بالرسم والفن وجدت ما كنت افتقده ويسعدني دائمًا أن استيقظ لأرسم وأساعد في جلب الجمال والرّقي إلى العالم، وأن أترك بصمة خالدة في التاريخ.