الأول:
إنَّ ثوراتٍ عظيمة في التاريخ، باتت الآن منسيَّة، بينما ثورة الحسين «ع» تتجددُ وتبقى خالدة رغم أنَّ القائم بها كان رجلاً واحداً وأنَّه مضى عليها أكثر من ألف عام؛ والسبب هو أنَّ موت الضمائر وتهرؤ الأخلاق والزيف الديني هي التي تشطر الناس الى قسمين: حكّام يستبدون بالسلطة والثروة، وجماهير مغلوب على أمرها، فتغدو القضيَّة صراعاً أزلياً لا يحدها زمانٌ ولا مكانٌ، ولا صنفٌ من الحكّام أو الشعوب. ومن هنا كان استشهاد الحسين يمثلُ موقفاً متفرداً لقضيَّة إنسانيَّة مطلقة، ما دامت هنالك سلطة فيها: حاكم ومحكوم، وظالم ومظلوم، وحق وباطل.
الثاني:
كان استشهاد الحسين «ع» تراجيدياً من نوعٍ فريدٍ، ليس فقط في الموقف البطولي لرجلٍ في السابعة والخمسين يقفُ بشموخٍ وكبرياءٍ أمام آلاف الرجال المدججين بالسيوف والرماح المنتظرين لحظة الإيذان بالهجوم عليه وقتله، ورفضه عرضَ مفاوض السلطة بأنْ يخضعَ لأمرها وله ما يريد، وردّه الشجاع بصيحته المدوية: (هيهات منّا الذلّه)، بل ولأنَّ المشهد كانت فيه نساءٌ وأطفالٌ، وكأنَّ الحسين أراد أنْ يثبت للبشريَّة أنَّ بشاعة طغيان السلطة في أي نظام بالدنيا، تتجاوز وحشيَّة الحيوانات
المفترسة.
والثالث:
كان بإمكان الحسين أنْ ينجو وأهله وأصحابه بمجرد أنْ ينطقَ كلمة واحدة: (البيعة)، لكنَّه كان صاحب مبدأ: (خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي) والإصلاح مسألة أخلاقيَّة، ولأنَّه وجد أنَّ الحق ضاع: (ألا ترون أنَّ الحق لا يُعمل به)، ولأنَّ الفساد قد تفشى وشاعت الرذيلة، وكلها مسائل أخلاقيَّة، وكان عليه أنْ يختارَ بين أنْ يوقظ الضمائر ويحيي الأخلاق، أو أنْ يميتها ويبقى حياً، فاختار الموت، وتقصّد أنْ يكون بتلك التراجيديا الفجائعيَّة ليكون المشهد قضيَّة إنسانيَّة أزلية بين خصمين: سلطان جائر وجموعٍ مغلوبٍ على أمرها.
فهل استوعبنا دروسَ من صار قدوة للبشريَّة إمامنا الحسين عليه السلام؟