الإيثار في واقعة كربلاء.. مهداة لجيل الألفينات

منصة 2024/08/01
...

يعني (الإيثار) حبَّ الآخرين وتفضيلهم على النفس، وهو قيمة راقية في الدين الإسلامي وصفه الإمام علي «ع» بقوله (لا تكمل المكارم إلا بالعفاف والإيثار). ولقد جسَّدَ هذه القيمة بأرقى حالاتها الإمام العباس «ع»، فحين وصل الى النهر ليأتي بالماء لسكينة التي شكت له عطشها وعطش الأطفال ملأ القربة، وغرف بيده ليشرب، فأبى مؤنّباً نفسه أنْ يشربَ الماء قبل أنْ يروي بنات وأبناء رحمه. ومع كثرة الألقاب والأوصاف لشخصيَّة أبي الفضل العباس، فإنَّ ما تميز به هو لقب (ساقي عطاشى كربلاء) وعنه قال الإمام الحسين (اركب بنفسي أنت يا أخي) وتعني (فداك نفسي يا أخي).
ذلك هو الموقف الشهم والنبيل والقيمة العليا في الإيثار التي تديمُ صلة الرحم الذي جسّده الأمام العباس «ع»، فأين هي الآن لدى جيل الشباب، بمن فيهم الذين يقصدون كربلاء مشياً على الأقدام لزيارة الحسين وأخيه العباس عليهما السلام؟
للأسف، إنَّ الكثير من القيم والأخلاق التي كانت في جيل الكبار وأدامت الصلة بين الأرحام ذهبت مع الريح لدى كثيرٍ من أبناء الجيل الجديد، وصار التنافس، لا الإيثار، هو الشائع بين أبناء العم وحتى بين الإخوة الأشقاء. وشاعت بعض مظاهر عدم احترام الأولاد والبنات لآبائهم وأمهاتهم، ومع أنَّ الله سبحانه قضى بألا يعبدَ إلا إياه وبالوالدين إحساناً، وألا تقل لهما أفّ إن كبرا، فإنَّ الكثير من أبناء وبنات الجيل الجديد تعدوا (الأفّ) بقولٍ وتصرفاتٍ تنذر بأنَّ صلة الرحم صارت في خطر، فقد شكت لي إحدى الأمهات ابنتها التي ردت عليها (اوف يمته الله يخلصني منج) لأنها طلبت منها أنْ تغلق هاتفها الذي يرن كثيراً وتقرأ دروسها.
ويبدو أنَّ هوس الجيل الجديد بالحريَّة والتحرر أنساهم حقيقة نفسيَّة أزليَّة في الطبيعة البشريَّة، هي أنَّ الإنسان به حاجة ثابتة في الانتماء الى أسرة، وأنَّ صلة الرحم تؤمن حياة تسودها الموّدة والراحة النفسيَّة، بينما يعيش بدونها مغترباً في عالمٍ صار يستهدف من يراه وحيداً.