الاغتيالات والفشل السياسي

قضايا عربية ودولية 2024/08/04
...

وضعت سياسة الاغتيالات أو حرب الاغتيالات، المنطقة أمام بركان، وأمام فخاخ جبهاتٍ جديدة، وأمام تحديات هي جزء من لعبة خلط الأوراق الأمنية والسياسية التي تريدها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، فالفشل في السيطرة على حربه الملعونة في غزة، دفع هذا الكيان إلى خيارات دامية، كما أن الفشل في مواجهة المقاومة اللبنانية جعل "نتنياهو" نزقا بالتعامل مع الواقع، والنزوع إلى جريمة الاغتيالات، لكي يضع المنطقة أمام "لعبة الحرب" والمجاهرة بالرفض العلني لإقامة الدولة الفلسطينية. ما يحدث الآن من تداعيات لا يعدو سوى انتحار سياسي، يراهن عليه الكيان، ويضع الولايات المتحدة وبعض دول الغرب في أتون الصراع، وإلى ما يجرّه من حرب شاملة من الصعب السيطرة عليها.

اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران تجاوزٌ للأخلاق الدبلوماسية والسيادية، واغتيال الشهيد فؤاد شكر في بيروت حماقة وتعويم للجريمة الصهيونية في "مجدل شمس"، وحتى الحديث عن التهديد باغتيالات أخرى، ليس بعيدا عن خيار الحرب، وإطلاق العنان لمزيد من التغويل للرهانات المفتوحة.

الفشل السياسي للكيان يدفعه لمزيدٍ من الفشل الأمني، وبالتالي تحويل هذا الفشل إلى ردود فعل تكشف عن وجود أزمة بنيوية عميقة، في حكومة الكيان، وفي شخصية نتنياهو التي لا تختلف عن شخصية أي مجرم حرب، فهوسه بتصفية "القضية الفلسطينية" والمقاومة يدفعه إلى هذه المغامرات، وإلى ستراتيجيات شيطانية، وإلى اللعب على حبال الانتخابات الأميركية المقبلة، واستثمار المال الصهيوني في تحويل الرئاسة الأميركية إلى حائط صعود لحروبه المفتوحة.

كما أن تغيير قواعد الاشتباك لا يعني سوى المزيد من الحرب، وسياسة الاغتيال المسلح تضع الجميع عند معطيات صعبة، وعند صراع قد يجرّ المنطقة إلى أزمة وجودية حقيقية، وإلى اصطفافات جيوسياسية معقدة، لا تُهدد الأمن الإقليمي فقط، بل الأمن العالمي، ودخول لاعبين دوليين آخرين يجدون في هذه الحرب تهديدا لمصالحهم، فالتحالف الروسي الصيني لن يقف متفرجا، كما أن إيران ستكون القوة المقبلة التي قد تُغيّر المعادلة العسكرية في المنطقة، وحتى اندفاع الكيان الصهيوني الهائج ضد لبنان أو سوريا لن يحقق له مآربه، لأن المعادلات الأمنية في المنطقة قد تغيرت، وتحييد المدن لم يعد سهلا، وبقطع النظر عن الإجراءات الدولية "الباردة" إزاء ما يحدث، فإن أية حرب مفتوحة قد تعني نهاية للأمم المتحدة ولمجلس الأمن، فمثلما صنعت الحرب العالمية الأولى "عصبة الأمم"، والحرب الثانية صنعت "هيئة الأمم المتحدة"، فإن الحرب المقبلة قد تصنع واقعا جديدا وتشكيلا دوليا جديدا يواجه رهابات المركزة الأميركية والكيان الصهيوني.