أ.د. باسم الأعسم
يقترن الفن بأشكاله كافة، والمسرح على نحو التخصيص بالتنمية بوصفه خطاباً اجتماعياً، وتعليمياً، وثقافياً، وإنسانياً، يسعى باتجاه تنمية مهارات الإنسان، وتطوير قدراته الخلاقة المضمرة، لتحقيق أكبر قدر ممكن من البناء السيكولوجي والثقافي، بقصد تحصين الذات الإنسانية من عوامل النكوص والتردي باتجاه بناء الإنسان والمجتمع، إذ إن بناء الإنسان هو الأهم عبر رصد مشكلاته، واحتياجاته لمسرحتها، كيما تستحيل إلى دروس وعبر ذات نفع.
لذلك، فإنّ عظمة الفن تكمن في اقترانه المباشر بحاجات الإنسان وروعته في التعبير عن أخص أزماته، وتطلعاته المستقبلية، منذ أن ابتكر الإنسان البدائي الفن ووظفه كسلاح للدفاع عن حاجاته ووجوده الحضاري، وبهذا الصدد يقول الفنان العالمي فان كوخ إن "الفنانين يأتون للعالم لا ليملئوا بطونهم، بل ليهيئوا غداً جديداً للبشريَّة".
إنَّ أهداف المسرح بعيدة المدى، وذات رؤى مستقبلية، وهذا وحده يعدُّ من أهم أهداف التنمية المستدامة، لأنّه يتخذ من الهموم الإنسانيّة والوجوديّة، منطلقاً رئيسا في مقارباته المتنوعة، واتجاهاته المختلفة لتحقيق السعادة وبناء الإنسان.
إنَّ الفنان لا يملك سوى فنه كالمسرح، بوصفه وسيلة ناجحة يغامر بها لتغيير المجتمع والعالم أجمع، ما دام المسرح كالجامعة تنفتح على المجتمع لتقوده وليس العكس، ويلعب المسرح بعده نسقاً ثقافياً فاعلاً، أبرز الأدوار في التربية المستدامة عبر تهيئة الأفراد لاستيعاب مقتضيات البناء والإعمار على الصعد كافة بقصد التعبير، ورسم ملامح المستقبل.
وبهذا الصدد يقول برتولد بريشت "إذا جاءت الفلسفة لتفسر العالم، فالمسرح جاء ليغير العالم"، مما يؤكد أنّ المسرح يقترن بالجدل الفكري والتأريخي، والاجتماعي، وأن الفنان والمسرحي خاصة، قد نذر نفسه، وفنه، لخدمة الناس، والمجتمع، بقصد تغييرهما، والتنمية تغيير في المفاهيم، والرؤى، والإجراءات، نحو الأفضل، وهذا هو هدف التنمية المستدامة، والفن كالمسرح يهيئ السبل الكفيلة بتحقيق الانقلاب النوعي في الوعي الذي يعد الأساس في استيعاب القرارات والاستراتيجيات التي تعجّل في البناء والتقدم بما ينعكس بنحو إيجابي على وتائر التنمية المستدامة التعليميَّة خاصة والتي تعتمد على مدرسة الفكر.
ولذلك، فإنّ المجتمعات المتحضّرة تولي الفن والثقافة أهمية تكاد تكون استثنائية لتعزيز الدعم الثقافي والفني، بما يصب في صالح الإجراءات التنمويّة، على الضد من المجتمعات المتخلفة فهي والتنمية خطان متوازيان مهما امتدا لا يلتقيان، بسبب غياب الأنساق الفنية والثقافية الداعمة للمشاريع التنموية، ولذلك فكلما ازدهرت الثقافة وتطورت الفنون، ارتقت وتائر التنمية، مما يؤكد بلا منازع اقتران التنمية بأشكالها كافة بالبنى الفوقيَّة مثل الثقافة والفن.
إنَّ المسرح برلمان الشعب، تشرع من خلاله الرؤى والأفكار والموضوعات، وفيه تتجلّى سلطات النقد الاجتماعي، والسياسي، والرقابي، بأبهى صورة، وإن التنمية تستهدف إسعاد الشعب، والمسرح بيت الشعب، يتعدى الطوائف والأديان، والقوميات، وقد خلق ليكون صوتاً تنموياً مدوياً في فضاء الإنسانية، والفكر، مثلما الحال في جميع الدول المتقدمة التي تعي جدوى الفن، والفكر في المسارات التنمويَّة.