أحمد عساف
تناولت سنا الأتاسي في لوحاتها مآسي الحرب وانعكاسها على المرأة السورية، واستخدمت الأبيض والأسود كألوان أساسية، ومن ثم الأحمر كلون الثورة والحب والدم، وكذلك البنفسجي الذي لا تراه حزيناً.
في معرضها الفردي "مرآة الروح" المقام حاليا في صالة "جوليا دومنا" في دمشق قدمت الأتاسي خمس عشرة لوحة بمقاسات كبيرة واستخدمت فيها ألوان "الأكريليك" على القماش. تميزت لوحات المعرض باللون الأحمر والأزرق والأبيض و"التركواز" مع توزيع نسب الظل والضوء وقوة الخط.
أولى لوحات المعرض تحمل عنوان "بحر الدم" هي لشجرة زيتون محترقة، وعلى محيطها بقايا دماء. الشجرة ورغم الحرائق، بدت مستمرة في الحياة، وشكلت بوابة العبور لبقية أعمال المعرض.
تقول الفنانة عن هذه الشجرة بأنها "الزيتون المحترقة، وهي حال تعبيرية واقعية رمزية. شجرة الزيتون لها قدسيتها وحضورها التاريخي، وهي رمز قضيتنا العربية، وقضايا الشرق الأوسط. ولكن رغم كل الحرائق التي أصابتها، حين ارتوت من دم الشهداء، قويت جذورها، وأينعت أغصانها، ورنت نحو سماء صافية مثل قلوب الأطفال".
للوهلة الأولى تبدو لوحات الأتاسي تعبيرية واقعية، وهي كذلك بخطها العام، لكن إذا ما غصنا عميقا فيها سنجد أنها تذهب إلى أكثر وأبعد من ذلك، حتى على صعيد اللون الواضح والجميل، والمدروس بشكل لافت، سنجد أنه يخفي الكثير من الأحزان المضمرة في وسع عيون تسرد حكايات، ومآسي المدن والبشر التي أنهكتها الحروب، وكان من ضحاياها النساء والأطفال. لذا حين نتأمل شخصيات الفنانة، سنجد أنها خالية من الرجال ولا يظهر إلا الصبي الصغير بطل لوحة "ليالي العيد".
وتجيب الفنانة عن إمكانية اقصاء حضور الرجل في هذا المعرض، وهل هو انحياز واضح للمرأة، أم ماذا؟ قائلة إن "الرجال هم من يصنعون الحروب ويخططون لها، وفي كثير من الأحيان يفتعلونها، وتكون ضحاياها النساء اللواتي يترملنّ ويندبنّ حظهن العاثر، ويكوننّ سببا في تعاسة وأحزان النساء".
وفي لوحة "ليالي العيد" التي يظهر فيها طفل يبيع "بالونات" ملوّنة بالفرح والبهجة. وكأنه بائع للفرح، منبثقا من مدينة احرقتها الحروب، فتحولت إلى كتلة بيوت يغطيها الرماد. الطفل ينتظره الأطفال في ليالي الأعياد. والحروب التي تحرق المدن الحزينة المنعزّلة، ونوافذ البيوت ترنو إلى غيّاب طال.
وعن مفتاح القدس المعلق على رقبة بطلة أحدى لوحاتها، تقول الأتاسي "أحب اللعب على ايحاءات العيون، فالعيون لها حكاياتها وأسرارها ومقولاتها، وعلى الرغم من شدة حبي للصمت في وجوه شخصيات لوحاتي، إلا أنني أحب حديثها في عيونها وتعابير عيونها ولغتها.. وبالنسبة للمفتاح المعلق في عنق المرأة الفلسطينيّة بملابسها بالزّي الفلسطينيّ، هو مفتاح العودة، مفتاح القدس الذي هو حلمنا جميعاً كعرب، ولتنتهي الحرب ويعود السلام والأمان لبلادنا".
وعن استخدامها لأحجام كبيرة، تضيف الفنانة "تستهويني المساحات الكبيرة على بياض اللّوحة، وأشعر بأنها ملعبي الذي أنجح في اللعب فيه، وأحقق فيه نتائج من المتعة ونشوة النصر. مخيلتي تحتاج لمساحات كبيرة. صحيح أن العمل الفنيّ الناجح لا يقاس بحجمه، بقدر ما يقاس بجمالياته وسموه وديمومته، لكنني أعشق الرسم على المساحات الكبيرة والجدارية".
وعن الشعور بأنها ليست متفائلة، على الرغم من ألوان لوحاتها تفوح منها روائح التفاؤل؟ تبتسم الفنانة بحزن، وتتابع " ربما ثمة تناقض يحدث أحيانا، ما بين ألوان الفنان ومشاعره، يبدو لي أنه مثل المرأة، حين تكون فتاة تميل للملابس الداكنة، وحين يتقدم بها العمر تميل إلى الملابس الفاقعة الألوان، وهذا تشبث منها بالحياة رغم الألم، ورغم تقدم سني العمر".
وعن التركيز في اللوحات على العيون، تقول إن "عيون المرأة هي مرايا الروح ونوافذها. العيون هي الأكثر صدقا للتعبير عن الحالة الإنسانيّة، والأكثر صدقاً في التعبير عن خبايا النّفس البشريّة، العين تعبر عن كل شيء. كنت أهدف لرسم وجوه النساء في لوحاتي بمنتهى النقاء لأن المرأة هي قمة النقاء. ثم ركزت على عيون المرأة فرسمتها باِتساع جميل ومدروس ومعبر".
ولدت الفنانة التّشكيليّة سنا الأتاسي، في حمص 1978، ودرست فن الإعلان والغرافيك، وهي خريجة دبلوم العلوم السينمائية وفنونها، قدمت أربعة أفلام سينمائية، وشاركت في الكثير من المعارض الجماعية في سورية ولبنان ودول أخرى، غادرت حمص نتيجة قسوة الحرب هناك، لتستقر في العاصمة دمشق، وأقامت في العام 2020 معرضها الفردي الأول في رواق المكتبة الوطنية في دمشق، حيث عرضت فيه أربع وعشرين لوحة من "الأكرليك" على
القماش.