عادل الصويري
الجدل الثقافي المحتدم مؤخراً بين بعض الأدباء وحاضنتهم النقابية (اتحاد الأدباء)، أعاد مجدداً طرح الأسئلة المتعلقة بفاعلية المثقف ودوره في تخليق آفاق الجمال، وانتعاش المعرفة. بعض الأدباء طرحوا وجهات نظر نقدية تخص آليات العمل الثقافي نقابياً على المستويين: الإداري والفني، لتأتي المفاجأة من زملائهم في الإدارة النقابية، والذين تعاملوا مع النقد الموجه لهم بطريقة الفزعة العشائرية، عبر ردود انفعالية في وسائل التواصل الاجتماعي هي عبارة عن منشور يكتبه ربما شخص واحد، فيشاركه الجميع عبر خاصية النسخ واللصق، وكأنَّ أعضاء هذه الإدارة أسلوبٌ واحد حتى على مستوى علامات الترقيم.
وتأتي الردود- أو الرد الواحد في الحقيقة- مرتدية التناقض، بين لغة ناعمة ورومانسية، تستبطن نسقاً إقصائيّاً يصل إلى سؤال المُنتقِد عن سبب تقديمه طلب الانتساب للاتحاد، بينما الأشياء التي ينتقدُها ويراها بعيداً عن أخلاقيات العمل الإبداعي موجودة حتى قبل طلب انتسابه، وهذا ما ولّد علامات استفهام كثيرة حول المستوى الثقافي والفكري للمتصدين لإدارة هذه “الحاضنة الأدبية”.
وبعد أن تأخذ الفزعة العشائرية مساحتها التواصلية التي تبتعد بها عن أصل المشكلة، وفي هروبٍ للأمام وإنعاش الجدل السلبي، تبدأ مرحلة جديدة من إشغال (أهل الكار)، وذلك بإطلاق العنان لبعض النزقيّين بالكتابة بطريقة فجّة، فمنهم من يُطالب بخنق أصوات المنتقدين وقطع الأوكسجين عنهم، ومنهم من يتم استدراجه ليصف المنتقدين بكلمات بذيئة. وكل ذلك من أجل أن يتفرغ المُحرِّك الرئيس لكل هذه التداعيات للسيطرة على الوضع، قبل أن يجد نفسه في مأزق ثقافي وأخلاقي جديد، يتمثل في قاعة مرتبكة، ومنصة يرتقيها ذئب يتحدث بانسيابية متأرجحة، وهو ضامنٌ إصغاءَ الشياه وموافقتها.
هذه التداعيات الثقافية المؤسفة تؤكد إلى حد ما نسق البداوة الفاعل في السلوك الاجتماعي العراقي، لكن الجديد في قضية اتحاد الأدباء، وطريقة تعامل إدارته مع الأصوات المعترضة؛ هو أنَّ تحديثاً “ثقافيّاً” أُجْرِيَ على هذا النسق؛ لتكون البداوةُ حضاريةً ومعاصرة. فبدلاً من أن تكون الصحراء منطقة لانتعاش البداوة وأنساقها، يمكن للمؤسسة أن تكون مكان تمركز حقيقي للقوة العصبية، وبدل التقوقع على الحياة الصحراوية القاسية، لابأس بتقوقع ليّن يعتمد الاصطفاف الفوضوي، فتعيد المؤسسة الفزعوية إنتاج مصطلح (الفوضى الخلّاقة)، فعندما يكون الوضع هادئاً ويجري بما تشتهي سفن الإدارة النقابية فإنَّ الوجوه مبتسمة، ولغة المحبة سائدة، بينما في حال العكس، إذ تبدأ الأصوات المنتقدة بالارتفاع؛ يُسلُّ السيفُ البدويُّ من غمده، تماماً مثل الإجراءات التي تقدم عليها الأنظمة السياسية الشمولية التي تتعرض إلى الخطر، فتلجأ إلى العصبية البدوية؛ للسيطرة على المشكلة، وتضييق مساحاتها بأي وسيلة إلّا الوسيلة الحضارية التي تعتمد الحوار الحقيقي والجاد؛ لأنها (المؤسسة) في هذه الحالة ستبدو عارية أمام الموج النقدي الجارف.
اتخذت البداوة الثقافية العراقية نمطاً جداً على الصعيد النقابي، يشبه بنسبة معينة ما حدث بعد سقوط روما، عندما اضطر الناس حينها للبحث عن وسائل يحمون بها أنفسهم بعد تقهقر الدولة، فكان البديل المناسب طبقة النبلاء وقلاعهم التي صارت ملاذاً مشروطاً بتنازل الناس عن بعض استحقاقاتهم مقابل هذه الحماية. والتشابه هنا هو أنَّ الحاضنة النقابية خلقت طبقة من أعضاء الإدارة “النبلاء”، وهؤلاء مستعدون لأي مهمة من أجل الحفاظ على المكتسبات والامتيازات، ثم تتحول هذه الطبقة إلى عشيرة.