مقارنة لا تصحّ

ثقافة 2024/08/07
...

سامر المشعل

في جلسة ودية ضمت ثلاثة من المطربين الكبار في الوسط الفني، وكنت رابعهم، دار نقاش بشأن من الأكثر شاعرية : عريان السيد خلف أم كاظم اسماعيل الكاطع؟، فقلت إن الكاطع بالسهل الممتنع في مفرداته الشعرية أقرب إلى مزاج وذوق عامة الناس، بينما عريان يستخدم مفردات حسجة غارقة في قرويتها الجنوبية.
وإذا بأحد الجلاس الأصدقاء وهو صاحب المكان، يأخذني إلى الشرفة وقال لي بعتب حزين ممزوج باللوم: "كيف تنطي بابن ولايتك؟!"، فأصبحت كلي استغراب من ردة فعل هذا الفنان الشفاف وصاحب الصوت المترع بالاحساس والشجن، فقلت له: هل هي مناطقية أم نقاش ثقافي ؟.
رد عليّ بالفم المليان: نعم هي مناطقية، لأنهما من العمارة فهما يدافعان عن الكاطع، وأنت يجب أن تنتصر لابن ولايتك ويقصد الناصرية، ثم أخذ يؤكد لي أن تفكيرهم متشكل على هذه الشاكلة المناطقية. ثم طمأنته بأني سأدافع عن ابن ولايتي ببسالة، وفي داخلي ابتسامة ساخرة، من طريقة تفكير مثقفين ونجوم بعالم الفن بهذه الطريقة.  عدنا إلى جلستنا، وما أن استؤنف النقاش، فانبريت بالدفاع عن عريان، بأن تحسب له أنه كان أصيلاً في انتمائه لجذوره وبيئته الجنوبية، واستطاع بموهبة فذة وعبقرية شعرية أن ينقل لهجة الأهوار إلى المدينة، ولم يتأثر أو ينقاد للمدينة على الرغم من أنه يسكنها جل حياته، وقد انتصر عريان بهذا التحدي الكبير على المدينة ولهجتها على العكس من الكاطع الذي درس الأدب الانكليزي وتأثر بشعرائه. حتى أن أحد المنحازين للكاطع عقب على حديثي "مو كنت تتحدث حلو".
ظاهرة رفع أحد الشعراء على حساب شاعر آخر، أو فنان أو أديب أو موسيقي أو تشكيلي على أسس مناطقية، ما زالت قائمة عند بعض المثقفين والفنانين، وهي ظاهرة بعيدة عن روح الثقافة والحضارة وذات نزعة قبلية، والمثقف يفترض أن يتحرر من الحواجز المناطقية والفكرية الضيقة.
هذا الانحياز، يضر الشاعر ولا ينفعه، لأن الشاعر يعبر عن المشاعر الإنسانية في كل مكان وأوان، ومن غير الممكن تحجيمه بمنطقة معينة، من حق الشاعر أن يعتز بملعب صباه، لكن إبداعه محل اعتزاز وفخر لكل أبناء وطنه. علماً أن الكاطع ولد في بغداد في منطقة الصرائف ولم يولد بالعمارة.
في أحد المهرجانات العربية التي شارك فيها الشاعر كاظم الكاطع بحضور عدد من الشعراء العرب، عندما انتهى من قراءة قصيدته قال الشاعر الفلسطيني سميح القاسم: "لقد قطعني القاطع ". فهنا الكاطع كان يمثل العراق بكل ثقافته ورموزه وتراثه الإبداعي. فهذه المقارنة لا تصح أبداً، كلاهما شاعران مبدعان لهما أسلوبهما بالكتابة والأبداع، واستطاعا الوصول للجمهور من خلال قصائدهما المغمسة بالحزن وحب الناس والوطن.. فالشعراء مثل الأزهار، لكل واحد شكله ولونه وعطره المميز عن الآخر، وكلما تنوعت الأزهار أعطت جمالاً وعطراً أكثر يفيض على النضارة بالسحر والمتعة والجمال.
وللحديث بقية..