ساحة الخلاّني

آراء 2019/06/17
...

زهير الجبوري
مرة اخرى استوقفتني ظاهرة اجتماعية حساسة جدا ، ظاهرة (الصبيات والفتيات المنتشرات في شوارع وساحات العاصمة بغداد، وهن يستعطفن المارة من الناس لكسب المال القليل)، قد يكمن حصولها نتيجة الظروف القاهرة التي يمر بها واقعنا العراقي بكل جوانبه الاجتماعية والسياسية والنفسية والبيئية ، ولعل هذه الظواهر طفحت على السطح وهي تنبئ عن تراكم اجتماعي خطير جدا ، وربما تنعكس هذه الحالات على سلوكيات تتوارث الانفلات حد الضياع لجيل تراكمت عليه كل هذه الاوجاع ، ولا ادري ان كانت هناك نظرة جادة من قبل الدولة وهي ترى بأم عينها هذه المشاهد بشكل يومي، أحسب انها منحدر خطر على هذه الحالة التي تتناظر مع حالات عديدة لفئة عمرية معينة من ابناء بلدنا ..
في الطريق الى ساحة الخلاني وانا اسير مشياً على الاقدام بعد نزولي من سيارة الباص في ساحة الحرية ، حيث الباعة اصحاب المحال التجارية و(البسطيات) تملأ المكان ، شاهدت بعض الصبيات وهن جالسات على الرصيف يتصيّدن المارة من أجل الحصول على ورقة نقدية ، والبعض منهن يجلسن بجانب الباعة ويضحكن بصوت عال ، قد لا يخفى على كل من شاهد المكان هذا او الأماكن الاخرى التي تنتشر فيها هذه الحالات ، ان المحنة تنطوي على دلالات مسجلها خطر جدا ، حيث المرحلة العمرية في (الصبا) وفي (دور المراهقة) تحتاج الى انتباهة كبيرة جدا من اصحاب العوائل لأبنائهم ، فكيف اذا كان الأبناء وسط هذه الضوضاء العارمة في شوارع المدينة، حتما ستكون النتائج غير مرضية ، وقد ناقشت هذه الظاهرة احدى المسلسلات الرمضانية في صيف 2019 ، ومع اشارتنا المهمة لهذه المسألة ، فان هناك تفريعات عديدة لكل مجموعة من فتيات الشوارع ، منهن من يخرجن الى شوارع المدينة بعلم عوائلهن لجلب المال ، ومجموعة من الفتيات يستظللن تحت خيمة من يعطيهن المأوى في أماكن هامشية وخربة ، ومجموعة من تتسلط عليهن امرأة تحترف التسول ، وكل هذا التسول يعكس حالة كارثية مؤلمة في زمن شهد عمليات ارهابية كثيرة منذ العام 2003 وحتى الآن ..
بغض النظر عن حالات واسباب التسول في اي مجتمع ، او تصنيف هذه الحالة لدى اصحاب الشأن ، حيث (التسول المباشر، وغير المباشر، والتسول الاجباري ، والاختياري ، تسول الشخص القادر وغير القادر ، وتسول الجانح)، كلّها حالات صنفت من اهل الاختصاص في علم الاجتماع وكذلك في علم النفس ، غير ان ما يلفت النظر تحويل هذا الكائن البشري المتشكل ذهنيا وبيولوجيا الى حالة يرفضها عامة الناس، وبالتالي يكون هو الضحية ، بخاصة اذا كانت (انثى) ، ومن اسبابه ايضا (ازدياد حالة الفقر وانتشاره، وازدياد البطالة، وكذلك عدم الترابط الاسري) كلّها تساعد على حصول هذه الظاهرة التي تكثر يوما بعد يوم ، انها دراما سوداء سيسجلها التاريخ، وستصبح من مسرودات واقعنا الذي مورست فيه كل (سورياليات) الألم ، ومثلما حصل في المجتمعات (الأوروبية) التي لبست ثوب الحروب قبل عقود ، يحصل معنا ونحن نحرق ثوب حروبنا ، ومثلما أعادت هذه المجتمعات ماء وجهها من خلال تخطي كل الصعاب ومناقشته وايجاد الحلول، سيبقى ماء وجهنا في محياه ، وسنلاحق هذه الحالات من مكاننا هذا ونشخصه ممنين النفس ان تكون هناك بعض الحلول
المنقذة..
في ساحة الخلاني ، وأنا اتجه صوب الجسر للعبور ، غادرت هذه الصور المباشرة وكلي قناعة بأني سأعود مرة اخرى وارى المشاهد ذاتها ، ترى الى اي وجه نتضرع اليه ..؟ وكيف لبلد فيه كل هذه الثروات وفتياته بأيديهن البضة يتمسكن بأمل العيش او بحياة مستقبلها بلا كرامة .. في ساحة الخلاني لملمت نفسي واحاسيسي وأنا أمني النفس بأن لا أرى مشاهد مثل التي
رأيتها؟.