ماء أورو

آراء 2024/08/08
...

 زهير الجبوري 


في السنوات الأخيرة التي عشنا تفاصيلها بقوة الأحداث وتخبط الآراء، التي انطوت بين المدّ والجزر للأطراف، التي تريد فرض رأيها في الساحة العراقية، ولعلها فوضى طبيعية في ظل الاحتلال، الذي يتوقع أن تكون نتائجه بالشكل الذي فرض علينا وأنتج لنا الحياة هذه. 

لكن في ما بعد أصبحت هناك ثمّة لوازم بيئية/ اجتماعية/ خدمية، مختلفة بعض الشيء عن تفاصيل العيش قبل عقدين أو أكثر، بمعنى خلقت عادات وممارسات، لا تعطي أصل وحقيقة البلد الذي يمتلك مقومات العيش برفاهية عالية، غير أن ما حصل أخذ على عاتقه خلخلة، بنى الشباب العراقي بدرجة كبيرة، بمعنى أن النتائج التي وقع بها بعض الشباب العراقي ممن يتمسك بلقمة العيش، حاله حال أي انسان يكابر بكرامته من أجل ان تكون له مسحة من الوجود في الحياة.  

في جوٍ صيفي قائظ، وفي مدينة تقع قلب العراق (الحلة) ثمّة شباب يتجولون في عرباتهم (ستوتات)، وفي عرباتهم جهاز مبرمج بصوت عال (أورو. . أورو. . أورو)، لأن ماء الإسالة في بيوت كل العراقيين غير صالح للشرب، فلا بد من ملء عبوات الماء لكثر تناوله في فصل الصيف، ناديت أحدهم أن يتوقف وطلبت منه ملء العبوات الفارغة، لكن المثير في الأمر أنه شاب يغطي ملامحه ويرتدي قبعة فوق رأسه، تجنباً لحرارة الصيف اللاهبة، ومع توقفه سألني كم الوقت الآن، قلت له الواحدة ظهرا وبضع دقائق، ثمّ استدركت (لماذا تسأل عن الوقت؟) أجابني (عمو أريد اروح ألحك أقره باجر امتحاني في البكالوريا) طيب (لماذا خرجت إذن؟)، أجابني (لا معيل لأهلي غيري، أنا وأمي وأخوات صغيرات لي)، ربما التفاصيل تطول، أو ربما يكون هذا الشاب المتلهف للدراسة له ظروفه القاهرة. لكن إلى أي مدى يمكن ان نمسك في واقعنا العراقي الآن في مثل هذه المأساة.! وكيف يمكننا أن نقارن بين هذه المرحلة والمرحلة سابقة في عقود من السنوات، حين يصبح الماء مصدرا للعيش، وهل يتقبل ذلك كل واحد عاش فترة العقد السبعيني والثمانيني وحتى التسعيني، أحسب أنّ المسألة فيها الكثير من الأمور، التي لا تعبر عن براءة ضنك العيش في العراق، وإذا كان الماء (أورو) أصبح استثمارا لدى أصحاب رؤوس الأموال، فإن المسألة خطيرة، فلماذا لم تكن هناك نيّة من قبل الدولة في تفعيل مشروع تحلية الماء، ألم يكن ذلك من واجبهم، ولعلني تطرقت كثيراً عن البنى التحتية التي بدأت تتحسن في الفترة الأخيرة، بوجود السيد رئيس الوزراء السوداني، لماذا لم يستغل هذا الأمر؟ 

ككل، نحسب اننا نُعبّرُ عن الواقع العراقي من خلال ترصدنا لما يدور من وقائع حساسة ومصيرية لإنساننا، الذي يمني النفس في وجود حياة ملائمة، ورغم كلّ ذلك فأنا مواطن عراقي

أزعم مدى تفاؤلي لبلدي، الذي له تاريخ مشرف وحضارات نفتخر بها، وأن الأزمات ستذهب سدى مهما كانت هناك 

عوائق.