د. طه جزاع
السياب وجيله قد بثوا في القصيدة نزعة تموزية تبشر بالانبعاث، فإذا صاحب " نخلة الله " و" الطائر الخشبي " سيكشف عن نزعة أورفيّة مشوبة بحزن عميق
يوم وصل الشاعر حسب الشيخ جعفر إلى موسكو عام 1959 كان فتى يافعاً في الثامنة عشرة، وقد وجد نفسه في مدينة مزدحمة كبيرة، وهو القادم من مدينة العمارة التي رأى النور فيها عام 1942. أما تجربته الشعريَّة التي تبلورت في السنوات اللاحقة ومنها السنوات التي قضاها في موسكو وحصل فيها على الماجستير من معهد مكسيم غوركي، فقد اتخذت منحى يميل إلى الحزن العميق، وسارت في اتجاه جديد مختلف عن مسيرة رواد الشعر الحر. وفي ذلك يقول الناقد المغربي بن عيسى بوحمّالة: أنّ اليُتمَ، أو قتل الأب بتعبير أدق، هو الخلاص من نسق أولئك الآباء الرواد، إذ كان السياب وجيله قد بثوا في القصيدة نزعة تموّزية تبشر بالانبعاث، فإذا صاحب " نخلة الله " و" الطائر الخشبي " سيكشف عن نزعة أورفيّة مشوبة بحزن عميق، لو فتشنا خلفها لوجدناها متمثلة في اغترابه عن هور السلام، ذلك الحي المُفقَر حيث ولد، ومن ثم وعيه بمعضلة الذوبان في حركة مدينة هائلة كموسكو التي درس وعاش فيها بين عامي 1959 – 1965 .
بعد عودته من موسكو عمل في الصحافة والبرامج الإذاعيّة الثقافيّة، وكان قبل ذلك قد نشر قصيدته الأولى خارج العراق بمجلة الآداب البيروتية عام 1961 . وكانت ذكرياته في روسيا من أهم الينابيع المُلهِمة في تجربته الشعريّة التي بدأت منذ ديوانه الأول " نخلة الله " الصادر العام 1969 .
في الليلِ ، تحتَ ثلوجِ موسكو
يَخطُو إلى الميعادِ عند السينما
الفلمُ : قِيل لها : مُملٌّ كالخريف
لكّنني أهوى الخريف
مُتَلبِّداً بِغِيومِه أو مُمطرا