حماية كوكب الأرض والإنسان معاً

علوم وتكنلوجيا 2024/08/08
...

 مادي توماس

 ترجمة: بهاء سلمان

«كفاءة الطاقة»، و«محايدة الكربون»، و»عدم وجود انبعاثات» هي كلمات طنانة نسمعها أكثر فأكثر ونحن نواجه تأثير تغيّر المناخ. لكن هل نفكر بها بشكلٍ كافٍ في البناء على الصعيد العالمي، يتزايد التحرّك نحو الإسكان المستدام؛ ففي أوروبا، تأمل الجهود المبذولة للانتقال إلى منازل أكثر مراعاة للبيئة في مكافحة ارتفاع تكاليف الطاقة وأن تكون أفضل لكوكب الأرض. غير أن 40 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالميَّة لا تزال تأتي من قطاع العقارات.

يدفع تقريرٌ حديثٌ صادرٌ عن جامعة نيو ساوث ويلز الاسترالية صناعة البيئة المبنية للوصول إلى حالة تصفير الانبعاثات بحلول العام 2040؛ ووفقاً لدراسة أجريت عام 2024 من قبل شركة دومين، تجتذب العقارات الموفّرة للطاقة اهتماماً أكبر من المنازل التقليدية.


محاربة الانبعاثات الكربونية

بدأ العديد من المهندسين المعماريين في الدفاع عن التصميم المستدام، بهدف الحصول على تقييمات عالية للطاقة ومنازل مقاومة للمستقبل للتكيّف مع المناخ المتغيّر.

من خلال تقليل البصمة الكربونية، واستخدام التصميم السلبي، الذي يركز على ظروفٍ مثل ضوء الشمس والنموذج المنسق بدلاً من التحكّم الاصطناعي في المناخ، توضح هذه المنازل التي تبلغ انبعاثاتها من الكربون صفراً أنَّ العودة إلى الأساسيات هو المفتاح لإجراء التحوّل.

عندما طلب من المهندسة المعمارية «تالينا إدواردز» إنشاء منزل غير مرتبطٍ بشبكة الكهرباء، ويعمل بشكلٍ كاملٍ كهربائياً، شرعت في بناء منزل من شأنه أنْ يدومَ لفترة طويلة جداً. شيّد المنزل من ألواح القش المعزولة الصنع مسبقاً، يبلغ سمكها من 300 إلى 350 مليمتراً، وموافقٌ عليه بشهادة خاصة من جهات متخصصة، كي يعمل على توليد طاقة متجدّدة أكثر مما يستهلكها.وبوصفه أحد منتجات النفايات، فإنَّ القش لا يقوم فقط بحبس ثاني أوكسيد الكربون، الأمر الذي يقلل الكربون الموجود في المبنى، ولكنه يعدُّ مادة غير مستغلة بشكلٍ كافٍ في البناء. وتشير إدواردز إلى أنَّ كمية القش المحروقة في المراعي سنوياً ستكون كافية لعزل أربعين ألف منزل في أستراليا كل عام.


تكاليف وأولويات

على الرغم من «هوس» أستراليا بالمنازل الكبيرة، إلا أنَّ المنزل المستدام هذا، والذي تبلغ مساحته 200 متر مربع، يتّسم بالمرونة والعملية، فهو عبارة عن ممرٍ ينفتح على مساحات بدلاً من غرفٍ كاملة، وبالإمكان أنْ تصيرَ منضدة الإفطار الطولية مكاناً للدراسة؛ ومقعد النافذة، مكاناً للتطلّع إلى المنظر الخارجي.

وعلى قطعة أرض تبلغ مساحتها 240 متراً مربعاً في بريسبان، بث المهندس المعماري «أندرو نونان» حياة جديدة في كوخٍ خشبيٍ متهدّمٍ يعود إلى العصر الفيكتوري، ما يمنح المنزل العائلي المكوّن من خمس غرف نوم مستقبلاً مواصفات عدم حصول الانبعاثات نهائياً. وبهدف إنشاء منزل «لا انبعاثات طوال الحياة»، منزل يزيل قدراً كبيراً من الكربون من النظام من خلال إنتاج الطاقة والمواد اللازمة للبناء، عاد نونان إلى الأساسيات، حيث طبق مبادئ التصميم السلبي لتغيير وضع المنزل بشكل جذري حرفياً.

يؤكد نونان أنَّ مفتاح نهج عدم حصول انبعاثات هو السماح للمناخ بإملاء اختيار المواد لضمان عمر يتجاوز متوسط 55 عاماً للمنزل. ويوضح أنَّه إذا كان لديك أبوابٌ ونوافذ عالية الجودة، «فستدوم إلى ما بعد عمر المبنى. إذا تم تصنيعها بطريقة مصممة لتكون فعالة من الناحية الحرارية، ليست إطارات ألومنيوم رخيصة الثمن مكونة من قطعة واحدة مع زجاج رقيق جداً.. ولكنَّ شيئاً ما يفكر في الأداء، فسيكون لذلك قيمة مستمرة».


تبسيط الحلول

لا يحتوي هذا المنزل أيضا على تدفئة أو تبريد، وبدلاً من ذلك يعتمد على إطار خشبي معزول بشدة وتوجيهه لمواجهة ظروف الرطوبة لمنطقة بريسبان. وبينما يوصي نونان بكهربة كل شيء من خلال التحوّل إلى أجهزة الحث، ومضخات الحرارة هوائية المصدر، وتنصيب الألواح الكهروضوئية، التي تختلف قليلاً عن الطاقة الشمسية، إلا أنه يقول إن الأجهزة «لن تحل المشكلة إذا لم يتم حلها بطريقة أكثر بساطة أولاً».

تشغل المساحة الخضراء ما مقداره خمسين بالمئة من مساحة الموقع، الأمر الذي يساعد على تقليل الحرارة الخارجية. وتقل درجة حرارة الهواء خارج الأبواب والنوافذ مباشرة بمقدار 15 درجة عما لو كانت المنطقة غير محزّمة بالأشجار. ويأخذ المنزل أيضاً في نظر الاعتبار ميل منطقة بريسبان إلى الفيضان، إذ تمَّ رفع المنزل فوق سطح الأرض بهدف امتصاص مياه الفيضانات في التربة، ما يؤدي إلى إبطاء معدل الجريان السطحي في إتجاه مجرى النهر. يقول نونان: «إن مجرد القيام ببعض الأشياء المثيرة للاهتمام بشأن الاستدامة لا يعني أنه يجب أنْ يبدو مثل منزل الشجرة. يمكن أنْ يبدو وكأنه يمكن أنْ يبدو مثل أي منزل.. الجمالية لا ترتبط حقاً بالأداء».


أفكار مستحدثة

يحتوي المنزل المصمم من قبل كار على نوافذ كبيرة لفتح المساحة. وتميل مساحة المنزل إلى الحديقة بشكل هائل نحو المساحة الخضراء، حيث تملأ 60 بالمئة من الموقع لزيادة إمكانية العيش في منزل أصغر حجماً. في الداخل، يحتوي المنزل على طابق أرضي مزدوج من الطوب، مما يوفر كتلة حرارية صلبة، وطابق علوي هجين مع قشرة من الطوب العكسي وأرضيات ذات إطارات خشبية في جميع الأنحاء.

لكن ديلروي كار يقول إنه كلما ركزت في كثير من الأحيان على حيادية الكربون من خلال استخدام المواد، كلما أصبح من الصعب الحصول على تصنيف مرتفع تصدره جهة متخصصة بهذا المجال، ويضيف موضحا: «إن نظام التصنيف يفضّل بشدة البناء بالطوب. فهو يحب الطوب والخرسانة، لأنها مواد ذات كتلة حرارية عالية. كلما زاد عدد الخرسانة والطوب الذي تضعه في المشروع، كلما ارتفع تصنيف النجوم، ولكن حتما، زادت البصمة الكربونية».