أحمد حميد
ليس سهلاً أن تكتبَ عن شخصٍ اسمهُ عبدالجبار الرفاعي. يصقلُ هذا الرجل أخلاقيات الدنيا في ذاته. يرتكزُ بنيوياً على أساساتٍ ثلاثة: الفضل، والنبل، والعطاء.
يشتغلُ في مساحةِ العقل بيد أنهُ كانطياً في نقدهِ للعقل المحض؛ لأنّ للعاطفةِ والمعنى حضورٌ متألق في كيانهِ الشفاف.
من الغرابة أن يجتمع الاجتماع الثقافي العراقي على شخصٍ واحد. اجتماعنا اجتماعٌ حاد المزاج، متطرّفُ العواطف والخياراتِ والاتجاه. لذا، ينقسمُ مثقفونا إلى علمانيين وإسلاميين، ومن ثم تنقسمُ كلُّ فئةٍ على نفسها، حيث يصيب الغرور كلا الاجتماعينِ بمقتلةِ الحسدِ والنميمة. لكن الغرابة تكمنُ في أن يجتمع مثقفونا بمزاجهم الحادِ والمرن على علميةِ ورفعةِ المفكر الدكتور عبدالجبار الرفاعي.
كيف استطاع المثقف الآتي من أزقة التراث الديني أن يقنعَ جمهور ما بعد الحداثة بطروحاتهِ التجديديَّة من دون أن يُعابَ عليهِ تجواله الدائم في تلك الأزقة ؟! يتجول الرفاعي في أروقةِ الماضي بوصفهِ ناقداً ومنقباً ومنقحاً للأصول؛ من أجلِّ صناعةِ حاضرٍ يليقُ بحياةٍ معاصرة، وهذا ما تجلى في إنتاجهِ لعلمِ الكلام الجديد، فضلاً عن متونٍ داعية إلى إصلاح وتجديد الخطاب الديني بشكلٍ عام.
يسير صاحب "الدين والنزعة الإنسانيّة"، بخطين متوازيين لا ينفكّان عن بعضهما البعض، وهما خطّا: العلم والأخلاق. إنّهما بحق استراتيجية حياة ناصعة، حيث من يرفضك علمياً، يتقبلك أخلاقياً، لذا تجد البعض قد يختلف معهُ فكرياً لكنهُ منبهرٌ بأخلاقهِ وسمعتهِ ورفعتهِ الذاتية. يدخل الدكتور الرفاعي في عامهِ السبعين مكللاً بإنجازاتٍ فكريةٍ أغنت المكتبة الإنسانية بخطابٍ حداثويٍّ متزنٍ وراق.
كما لا ننسى أننا أمام طاقةٍ معرفيةٍ وتربويّةٍ هائلة؛ طاقة خرّجتْ الكثير من التلاميذ الذين أصبحوا من صُنّاع الرأي والفكر المديني في العراق والمنطقة. كلُّ عام والرفاعي بخيرٍ وسلامٍ وإبداع.