عقد الجلاَّد المكبوتة

الصفحة الاخيرة 2024/08/11
...

محمد غازي الأخرس


كثير من الباحثين تطرقوا للمسألة، ومنهم المفكر فرانز فانون في كتابه (المعذبون في الأرض)، إذ تناول جدليّة المستعمِر والمستعمَر اللذين هما مثال للمضطهِد والمضطهَد

حسنا، أسوأ ما يحدث لدى المضطهد والمقموع هو أن يحول العنف الذي تلقاه في الماضي إلى ضحايا من طبقته أو شريحته. فجأة تخرج عقده المكبوتة ويتحول إلى جلاّد لابنه أو زوجته أو أخيه الأصغر أو الموظف الذي تحت أمرته. في العديد من أفلام الصراع بين الزنوج والبيض في الولايات المتحدة، لابد أن نجد زنجياً يلعب دور كلب الحراسة لدى سيده الأبيض، ووظيفته هي تأديب الزنوج ومعاقبتهم بقسوة قل نظيرها. شاهدت العديد من هذه الأفلام ولشدما أخذني الاستغراب من أمثال هؤلاء، لكن لماذا الاستغراب والظاهرة منتشرة على أوسع نطاق. يتحدث حنا بطاطو في كتابه (العراق) عما يسميها (عمرنة) الشرطة ببغداد، ويقصد تطوع آلاف النازحين من أرياف العمارة في سلك الشرطة، والغريب أن إحدى مهماتهم هي مطاردة السياسيين والمعارضين من بني جلدتهم.
يذكر بطاطو أن قوة شرطة العاصمة المتعمرنة تحولت إلى أداة قمع كلاسيكيّة بيد السلطة، وهو يلمح لهذا وهو ينقل حيرة البغداديين من أنه في بلد تفصل فيه هوة عميقة بين الحكومة والشعب، كان من المستغرب أن تتمكن الطبقة الحاكمة من فرض الطاعة على شرطتها عندما تصدر أوامرها بإطلاق النار على الناس في حالات الانتفاضات الجماهيريّة كما عام 1948 وعام 1952 ، ويتساءل: "أليس رجال الشرطة العاديون أنفسهم بعضا من هؤلاء الناس ويتقاسمون معهم معاناتهم واستياءهم ؟" . كثير من الباحثين تطرقوا للمسألة، ومنهم المفكر فرانز فانون في كتابه (المعذبون في الأرض)، إذ تناول جدليّة المستعمِر والمستعمَر اللذين هما مثال للمضطهِد والمضطهَد، مشيراً  إلى أن المضطهد الذي ترسبت في عضلاته روح الهجوم والعدوان هذه إنما يصيبها أولاً على ذويه، فهذه هي الفترة المثالية التي نرى فيها الزنوج يقضي بعضهم على بعض. هل جرى هذا في عراق الثمانينيات والتسعينيات؟ . هذا ما سيكون موضوع مقالة أخرى، فانتظروني.