كيف سترد إيران على إسرائيل؟

قضايا عربية ودولية 2024/08/11
...

 أرمان محموديان
 ترجمة: أنيس الصفار

كثرت التكهّنات بشأن الموضع الذي ستختاره إيران أو حلفاؤها لتوجيه ضربتهم ثأراً من إسرائيل لاغتيالها مؤخراً زعيم حركة حماس إسماعيل هنية ونائب رئيس حزب الله فؤاد شكر. طرحت سيناريوهات كثيرة للمناقشة، لكنها كلها تبقى في باب التخمينات وضرب الأخماس بالأسداس، إلّا أنَّ ثمة احتمالاً بالذات يستحق التوسع والنظر.
المصلحة التي تتوخاها إيران هذه المرة من ضرب إسرائيل لا تقتصر على إظهار ما لديها من قوة، بل ممارسة قدراتها على إلحاق أبلغ قدر من الأذى والأضرار بالإسرائيليين. غير أنَّ إيران تواجه مشكلة أساسية، وهي أنها رغم قدرتها على إلحاق الضرر بإسرائيل من خلال الضربة الأولى تبقى مفتقرة إلى الوسائل العسكرية والقدرات التي تمكنها من حماية نفسها من الضربات الانتقامية التي قد توجهها إليها إسرائيل أو الولايات المتحدة أو الاثنتان معاً وحلفاؤهما. بناء على هذا قد يكون أفضل سيناريو بالنسبة لإيران هو توجيه ضربة تتولد منها سلسلة تفاعلات متتابعة تشغل إسرائيل بحيث لا تعود قادرة على شن ضربات مضادة فعالة إلى حين.
أحد الأهداف المحددة هنا يمكن أن يكون الشريط الأرضي الضيق الفاصل بين الضفة الغربية وغزة. هذه الرقعة من الأرض “الإسرائيلية”، التي يقارب طولها 90 كيلومتراً، تفصل نحو 2,7 مليون عربي يسكنون الضفة الغربية عن 1,8 مليون من أبناء جلدتهم يسكنون قطاع غزّة، لذا أقام الإسرائيليون قواعد عسكرية عديدة في هذه المنطقة على صغرها لتأمين الحماية لهم. بتوجيه ضربة إلى هذا الموضع بالتحديد يمكن أن تستهدف إيران هذه القواعد العسكرية بأضرار شديدة كما ستأمل أن يسفر الاستياء والغضب اللذان تراكما في الضفة الغربية على مدى الأشهر الثمانية الأخيرة عن حدوث ثورة ضد الإسرائيليين. من المؤشرات التي تشي بأنَّ إيران قد تستهدف هذه المنطقة بالفعل أنَّ أربع قواعد عسكرية من أصل سبع وردت في قائمة الأهداف التي نشرتها وسائل الإعلام الإيرانية واقعة ضمن هذا الشريط.
تعوّل إيران أيضاً على احتمال تفاعل الغضب العارم في الضفة الغربية مع الصراع الذي لا يزال دائراً في غزة وكذلك التوترات مع حزب الله في الشمال لينجم عن ذلك كله وضع يفلت من سيطرة الإسرائيليين. ضمن هذا السياق قد تعتبر إيران هذا الشريط من الأرض بمثابة “عقب أخيل” لإسرائيل، ومن خلال ممارسة الضغط العسكري على هذه المنطقة يمكن لإيران أن تأمل في إتاحة فرصة لمجاميع حماس في غزة والفصائل الأخرى في الضفة الغربية بالتواصل مع بعضها والتسبب بمزيد من المشكلات للجيش الإسرائيلي المنهك على أقل تقدير. أي هجوم مثل هذا من شأنه أيضاً أن يهدد حركة النقل البري والاتصالات بين شمال إسرائيل وجنوبها، الأمر الذي سيخلق عقبات لوجستية كبيرة.
في خضمّ الفوضى الناجمة عن ذلك كله قد تكون خطوة إيران التالية، وفق هذا السيناريو، هي إيكال الأمر إلى حزب الله لإبقاء إسرائيل منشغلة في حين تعيد إيران ترتيب أوراقها أو تنحو نحو البدء بمفاوضات.
بيد أنَّ المعضلة التي يبقى من المحتمل أن يواجهها الإيرانيون هي أن لا شيء يضمن عدم حدوث تقسيم للمهام بين الولايات المتحدة وإسرائيل في حالة الشروع بمثل هذا السيناريو. هذا التقسيم اذا حدث سوف يمكن إسرائيل من التفرغ لمواجهة الاضطرابات في الضفة الغربية وغزّة، وداخل أراضيها، بينما تتولى الولايات المتحدة أمر المواجهة المباشرة مع إيران. الحل الإيراني لهذا السيناريو ربما سيتمثل بإطلاق يد الجماعات الحليفة لشن هجمات على القوات الأميركية في المنطقة.
وفق هذا السياق يجب على إيران أن تراعي الحذر، لأنَّ أيّ استخدام غير مدروس لحلفائها يمكن أن يقابله رد فعل بالغ الشدة. لو حدث هذا فإنه لن يضر بإيران وحدها بل سيضر أيضاً بشريكيها الدوليين الرئيسين.. وهما الصين وروسيا.
ضمن هذا الاطار يمكن القول إنَّ أي ضربة متهورة لشريط الأرض ذي التسعين كيلومتراً الذي يفصل الضفة الغربية عن غزة هذا، سواء كان “عقب أخيل” لإسرائيل أم لم يكن، قد يكشف خاصرة إيران الرخوة في حالة توجيهها ضربة لم تفها حقها من التأمل.

* مجلة «ذي ناشنال إنتريست»