{الأعمى}.. ضلال وهداية

ثقافة 2024/08/12
...

علي حمود الحسن    




أثار اهتمامي فيلم شاهدته مؤخراً في موقع سينمانا بعنوان "الأعمى"(2023)، الذي يتحدث عن الحياة العصيبة التي عاشها المواطن فيل روبرتسون(أرون فون أندريان)، وتحوله من طفل غرير إلى رب أسرة، تحمل المسؤولية مبكراً، بعد رحيل والده المفاجئ وانهيار أمه ولجوئها إلى الإدمان، ليجد نفسه يعيل هذه الأم العصابية وأشقاءه الصغار، يعشق فيل الفتاة الثرية كي (اميليا إيف) التي تتعاطف مع ظروفه، ويعجبها تفوقه في كرة القدم وإدارة شؤون أسرته، يلتحق بالجامعة وجواز دخوله، تفوقه في كرة القدم الأميركية.. يتزوج من كي وينجب أطفالاً، يعشق صيد السمك والطيور البرية في غابات ومستنقعات لوزيانا،  فيحترف الصيد مصدراً لرزقه، ثم يلتحق بوظيفة "مدرس إنكليزي" في مدرسة أهلية يديرها صديقه آل (كونور تيلمان)، الذي يدعوه إلى الشرب والسهر، فيقع فريسة الإدمان، ويهمل أسرته وعمله، ويتحول إلى شخصية عنيفة، وتتركه أسرته، لكن واعظاً طيباً يقترب منه ويغيّر مسار حياته ويعود إلى طبيعته 

وإلى أسرته.

الفيلم الذي أخرجه أندرو هايات ينتمي إلى الأفلام الوعظيّة المسيحية، التي غالباً ما تبث رسالة؛ مفادها أن الاقتراب من الدين وتعاليم المسيح، ربما يجعل حياتنا أكثر سلاسة ومقبولية، وهذا بالضبط ما أراده هايات الذي يعد فيلمه هذا إكمالاً لفيلمين دينيين أخرجهما، هما: "بولس رسول المسيح"، و "منتهى الفضيلة".

وقصة الفيلم مقتبسة من أحداث واقعية، مستلة من سيرة فيل وأسرته التي كانت تعرض في تلفزيون الواقع، اعتمد المخرج على راوٍ ذاتي هو فيل نفسه الذي يقص حكايته لصديقه أثناء تزجية الوقت في المستنقعات بانتظار البط، إذ تعود الأحداث التي يقصها فيل من خلال "الفلاش باك" لنرى طفولته البائسة، ليعود مرة أخرى لقص حكايته مع الرياضة ودخوله الجامعة، ثم إدمانه وتوبته على يد القس بيل سميث (جون أليس) وعودته إلى أسرته معافى، هذا النوع من السرد يجعل الأحداث أكثر واقعية وصدقاً، بل وأكثر عاطفة. إذ وظف المخرج حواراً معبراً عما يجول في دواخل الشخصيات من انفعالات وانكسارات، لا سيما الأم (أمليو جيفرز) والزوجة كي فيما بعد، ناهيك عن الأفكار والكوابيس التي كانت تعصف في ذهن روبرتسون، وكان للموسيقى التصويرية دور أساسي في التعبير عن كل ما ذكرنا.

الفيلم على الرغم من بساطته وسلاسة إيقاع أحداثه، إلا أنه بدا تقريرياً، لا سيما علاقة فيل وأُسرته بالقس، الذي يأتي كالملاك لإنقاذ هذه الأسرة المنهارة، قدم الممثلون أداءً مقبولاً، خصوصاً معظم الشخصيات الرئيسة التي تعاقب على أدائها ثلاثة ممثلين جسدوا الطفولة والفتوة والشباب، وعلى العموم كان أداء أرون فون اندريان لشخصية فيل روبرتسون مقنعاً ومؤثراً، لا سيما أيام إدمانه وتمزق روحه بين الإيغال في الإدمان ومحاولة التمسك بأسرته، وكان أداءً اميليا إيف متوسطاً، فعلى الرغم من التحولات التي عصفت بأسرتها، إلا أن ملامح وجهها ظلت كما هي، من جهة أخرى أسهم مدير التصوير الكندي كريس ستاسي في إضافة أبعاد عاطفية وإنسانية من خلال تنوع اللقطات وجمالية تصوير غابات ومستنقعات لوزيانا، فضلاً عن إضاءة واكبت الوضع النفسي للشخصيات، وكان التصوير في المستنقعات ليس سهلاً، إذ كان المصورون يغطسون إلى منتصف أجسادهم 

في المياه.