المذبحة الإلكترونيّة

آراء 2024/08/13
...

خالد حميد صبري

في ظل التطور الكبير الذي يشهده العالم على المستويين العلمي والتكنولوجي يبرز الذكاء الاصطناعي بوصفه الصيحة العلمية الأحدث والأهم والأخطر. والذكاء الاصطناعي باختصار هو الذكاء الذي تظهره الآلات والبرامج الإلكترونية بطريقة تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها. فهو ثمرة لجهود حثيثة استمرت عقوداً، سعى من خلالها الإنسان إلى (تصميم آلة تحاكيه)
 من أجل تيسير أعماله وحل مشكلاته، فالآلة بإمكانها بذل مزيد من العمل دون كلل أو ملل، لأنها بلا عاطفة ومشاعر، وهذا هو الفرق الجوهري بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي، فالخبرات البشرية تتكون بشكل غريزي تدريجي مقرونة بالعاطفة والحس، أما الخبرات الاصطناعية فتتكون داخل برامج الكترونية وذاكرة لا تعرف الفرح أو الحزن.
كل هذا يبدو أمراً طبيعياً ولا غرابة فيه، حاله حال مختلف أنواع البرامج الإلكترونية الحديثة. لكن الغريب أن يُوظَّف الذكاء الاصطناعي في قتل الناس، وهذا ما يحدث في فلسطين، فمنذ بداية الحرب على غزة تستعمل إسرائيل الذكاء الاصطناعي لقتل المدنيين. يعتمد الكيان في هذا الأمر على تكوين (داتا) يستجمعها من خلال النشاط الالكتروني للفلسطينيين، رسائلهم، تعليقاتهم، منشوراتهم، إعجاباتهم بمنشور ما أو تعليق ما، كلامهم في الگروبات الخاصة والعامة، متابعتهم لحسابات معينة والتفاعل معها. ومن خلال هذه المؤشرات ستحدد (الداتا) هل أنت ضد إسرائيل أو لا. فإذا حكمت هذه الداتا على شخص ما بأنه عدو فهذا يعني حكماً عليه بالإعدام، وسيُوجّه له صاروخ لينهي حياته برمشة عين. تخيل أن تعليقاً عابراً على منشور ما أو ضغطة إعجاب سريعة قد تؤدي بك إلى حتفك، أو ربما حوار مازح مع أصدقاء في مجموعة ما سينهي حياتك، هذا هو الوضع في غزة. هكذا صار الفلسطينيون مختبراً لأسلحة الكترونية وتقنيات رقمية يمتلكها أسوأ احتلال في التاريخ.
أبناء (الحضارة) الغربية هم الذين زودوا الكيان بهذه البرامج، وجامعاتهم هي التي تمولها لاختبارها على الفلسطينيين تحت ذريعة دراسة السلوك البشري.
وبحسب المتخصصين في شؤون الحرب فإن إسرائيل قتلت واعتقلت ما يقرب من عشرة آلاف فلسطيني بناءً على معلومات استخبارية تعتمد على هذا النوع من البرامج.
يقتلون الفلسطينيين لا لجرم اقترفوه ولا لذنب ارتكبوه وإنما الداتا منزوعة المشاعر هي التي أصدرت حكمها عليهم فقررت قتلهم.
هكذا يموت الفلسطينيون على مذبح الوطن، وهكذا تتعاون الآلات والبشر على تدميرهم. القتل الإلكتروني هو أسوأ ما توصلت إليه البشرية في تاريخ الحروب، حيث يُقتل الإنسان على نواياه وأفكاره، ولا فرق بين أن يكون مدنياً أو عسكرياً، فلا مكان آمناً في هذا الفضاء الالكتروني البشع.