التسقيط.. موهبة بخسة الثمن

آراء 2024/08/13
...

سوسن الجزراوي

تنشط بين الآونة والأخرى، قضية الانتقاص والتنكيل بشدة، من شخصيات معروفة سواء من كان منها في الساحة السياسية، أم الإعلامية، أم الفنية، وتعد هذه المجالات الثلاث، الاكثر انتشاراً وتسليطاً للضوء عليها.
وبغض النظر عن المسميات، مثل، التسقيط أو التنمّر أو الفضائح، فالنتيجة واحدة وهي: الاجهاز الكامل على الشخصية المعنوية لمن يُمارس عليه هذا الفعل، مع سبق الإصرار والترصد، وتحويله بين عشية وضحاها، من إنسان ذي سمعة نقية وأداء فاعل وحضور مؤثر، إلى شخص محاط بشبهات أخلاقية، فاقداً لأي تأثير على من حوله وفي دائرة عمله وحياته الاجتماعية. وبما أننا نتحدث عن قضية قاسمها المشترك هو (التآمر) على شخصية المستهدف المعنوية، كان لا بد من التمعن قليلاً في الأسلحة المستخدمة في هذه المعركة والتكتيكات والخطط المرسومة بدقة،، فأولها يتناول مسألة النزاهة المالية وما هو متاح من معلومات عن ارصدته وحساباته المصرفية والعقارات، التي يمتلكها وحجم الاستثمارات، وهي في الغالب كانت خاضعة لمصالح مشتركة، و(كومشنات) ونسب ارباح، تضاربت كلها في ما بينها، فراح الشريك يطعن بشريكه ويكيل له شتى الاتهامات. البند الثاني من نظرية (المؤامرة) هذه، هي المرأة وكما قالها نابليون بونابرت: فتش عن المرأة، والمقصود هنا هو التلصص والبحث عن ماضي المستهدف وعمل جرد شامل لعلاقاته العاطفية من جهة بهدف النيل من سمعته، أو تسليط الضوء على عائلته وتصوير المرأة التي تشاركه حياته، على أنها غارقة في بحر من اللآلئ والمجوهرات، التي حصلت عليها من عمليات (( الخمط )) التي يديرها زوجها من جهة اخرى. ولا تقف عمليات التسقيط المحسوبة هذه، عند حدود المال والنساء، انما تمتد لتدخل إلى قناعات واعتقادات الشخص المحاط بدائرة المكائد هذه، فان كان يوماً ما شيوعياً على سبيل المثال، وغيّر أفكاره وانتماءه، صارت هذه مثلبة كبيرة تسجل في تأريخه وحاضره، لتصوره متأرجحاً بلا مبادئ، كذلك الحال لو كان اسلامياً أو متطرفاً أو سلفياً أو علمانياً أو ليبرالياً وفكر بالتحول إلى قناعة اخرى، فإن مجسات المراقبة تجد في هذا التحول، صيداً ثميناً تتغلغل من خلاله إلى تهديم الصورة المثالية التي ارتسمت عنه سابقاً.
وكي تكتمل الصورة، كان لا بد من تجنيد الجيوش الالكترونية، والتي للأسف تندرج تحت مسمى الاعلام، باعتبار أن هذه (الجيوش)، غالباً ما تعمل في الحقل المسموع أو المقروء أو المرئي، وهي قادرة بشكل كبير ومباشر على التأثير في المتابعين عن طريق إشاعة معلومات يراد بها التشهير والنيل من فلان أو فلانة، حتى لو كانت الحقائق معاكسة تماماً لهذا الهجوم الالكتروني ذي الاسلحة القذرة.
ويصل الامر احيانا إلى شهادات الزور والكذب والحلفان بالباطل وتأليف روايات أبعد ما تكون عن الخيال، تشارك في نسج خيوطها مجموعة من الكومبارسية، أما الهدف (السامي) من هذا، هو إسقاط الشخصية المعنوية وهدر السمعة والتنكيل والمحاصرة التي تؤدي إلى انهيار الضحية المقصودة واسقاطها بالضربة القاضية.
وكل هذا بلا شك مقابل مردود مادي لأفراد هذا الجيش أو وعد بمنصب أو غير ذلك من الاغراءات التي يسيل لها لعاب المرتزقة.
وغالباً ما تنشط خلايا هذه اللعبة الشبيهة أحياناً بالحية والدرج، عند اقتراب موعد الانتخابات السياسية أو عند سماع تسريبات عن تغييرات هيكلية في هذه الدائرة أو تلك، فيصبح وبشكل مفاجئ، صديق الأمس عدو اليوم، وترتفع شعارات ظاهرها لا يطابق جوهرها، وتبدأ المناداة بالنزاهة وضرورة إبعاد الرموز الدكتاتورية، وإن هذه التغييرات لهي خطوة بالغة الأهمية، لتنظيف المكان من الذين عششوا فيه، وغير ذلك من الاصوات النشاز الكاذبة، التي كانت خاضعة بشكل سلبي جدا لدكتاتوريات فلان وبيروقراطيات علّان!، وهذه الحروب الخفية تارة والمعلنة تارة أخرى، لا تهدأ ولا تكل، فهي تفاجئنا كل اسبوع بجديد يعمل مثل عتلة ضاغطة تدفع الشخصية المقصودة نحو الأسفل شيئاً فشيئا.
ولا يقف هذا السيل الجارف عند السياسة حسب، بل كما قلت إنه ( يتمدد) ليصل إلى اغلب مفاصل الحياة واغلب الاعمال بلا هوادة، وقد يكون كما أشرت في بداية موضوعي، الاعلام والفن والسياسة، هم الاكثر شيوعاً كون الحملات التي تنظم فيه، انما هي تستهدف أسماء بارزة معروفة امتلكت تأثيرا على قاعدة جماهيرية واسعة.
إنها باختصار، نظرية إبعاد الاشخاص والرموز احياناً، بوسائل يكون اغلبها غير منطقي وغير منتمٍ لسلوكيات المهنة وشرفها.. إنه التسقيط بمفهومه الحقيقي.