بغداد نوارة محمد
تظهر بين الحين والآخر تداعيات بشأن الممارسات المجحفة بحق المرأة العاملة في المجتمعات الشرق أوسطية، وهّن يواجهن تميزا عنصريا ومهنيا في سوق العمل، بالخوض في غمار الأعمال يتطلب جهودا جّبارة من الفتيات، لكن الأمر يبدو مختلفا مع المرأة الحامل، التي تتعرض للتمييز القائم على الحمل من قبل إدارات مؤسساتهن، بشكل لا يجعل مثل هذه المواقف فردية أو فريدة من نوعها أو مقتصرة على دولة واحدة، وإنما هي ظاهرة شائعة في أغلب المجتمعات. تقول سارة مجيد الصحاف وهي ناشطة مدنية: ربَّما عاشت الكثير من النساء مشكلة التَّمييز القائم على الحمل، فغالبا ما تُحرم من حق الحصول على وظيفة لمجرَّد كونها حاملاً، أو لا تتم ترقيتها لأنَّها ستضطر إلى الحصول على إجازة حملٍ يوماً ما، وهي غالبا ما تستبعد من وظائف عدة، لعدم قدرتها البدنية الكافية للقيام بمهامها بشكل جيد، وهذه ممارسات لا إنسانية بحق النساء.
وتثير شمس عماد تساؤلا مثل أخريات كثيرات: لماذا علينا أن ندفع فاتورة رغبتنا بالحمل والإنجاب، لماذا تدفع النساء ضريبة الحمل والأمومة على أصعدة عدة؟ أحدها عملهنّ وتطورهنّ الوظيفي، وتقول إنني "واحدة من اللواتي رفضتني مديرة إحدى المدارس الأهلية بعد أن أخبرتها بمسألة حملي بذريعة أنها ستقبل توقيع عقد معي فور إنجابي وعودتي إلى الحياة بشكل طبيعي!". وتضيف مينا أياد ان "الأمومة والعمل أمران متنافران، في مجتمعاتنا علينا أن نختار، أما وظيفة العمل أو وظيفة الأمومة والإنجاب؟ وهذا لا ينطبق على البيئة العملية فحسب، بل حتى على المستوى الشخصي، أي في المنزل والأسرة، فغالبا ما تقع المسؤوليات المنزلية على الأم، وغالبا ما تمنح الوظائف الإدارية العليا أو المناصب المهمة لجنس الرجال، باعتبارهم متفرغين تماماً لأداء هذه المهنة وهو الأمر الذي نرفضه، (التمييز الذي يمارس ضد النساء)".
في وقت سابق أثارت حوادث التمييز ضد النساء الحوامل ضجة في منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دعا كثيرين للوقوف بوجه هذه الممارسات الخاطئة، لكنه لم يتعد كونه حوادث وقتية، وأخبارا "ميديوية"، فالأمر لم يقف عند التمييز في العمل، لا بل تعدى ذلك، إلى أن أصبحت المرأة الحامل عرضة للتنمر، أو التحرش، وأن تستمع لعبارات خادشة للحياء في الأماكن العامة من قبل كثيرين.
وتؤكد أفياء أمين الأسدي: قد تلجأ بعض المؤسسات إلى سياسات التضييق على النساء الحوامل لإجبارهن على تقديم استقالاتهن، ومن ثم التهرب من مسؤولياتها تجاه العاملات. فبمجرد علمهم بخبر حملها يصبح وجود المرأة العاملة وقتياً وحظوظها بالترقيات والحوافز ضئيلة جدا، لا سيما في القطاعات الخاصة والأهلية.
وتضيف الأسدي وهي حقوقية تعمل في الدفاع عن حقوق المرأة: وصلنا إلى القرن الثاني والعشرين، ولا تزال بيئات العمل التي تتميز بدعمها للمرأة من جميع النواحي محدودة تُعد على أصابع اليد الواحدة، والدليل أن المشاركة النسائية في ميدان العمل لا تزال ضعيفة جدا بحسب اخر ما تداولته الاحصائيات، على الرغم من الجهود التي تبذل في العديد من المستويات لزيادة حصة المرأة في سوق العمل بالعالم العربي، إلا أن الأرقام تكشف أنها ليست سوى حبر على ورق، إذ كشفت بيانات صادرة مؤخراً عن منظمة العمل الدولية، أن معدل مشاركة المرأة العربية في سوق العمل أو الوظائف التي تعمل بنظام الأجر بلغت 18.4 بالمئة، وهو المعدل الأدنى في العالم مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 48 بالمئة.
وأظهرت الإحصاءات كذلك، أن نسبة تواجد المرأة في المناصب الإدارية في الدول العربية محدودة. عموما هذا التساؤل الذي يراودنا كما كثيرين بمدى امكانية النساء من الاستمرار في خوض المعركة المُستعرة للتوفيق بين مسيرتهنّ العملية وبين أمومتهنّ يظل مطروحاً! هل سيتمكنّ من الصمود أمام خطر خسارة الوظيفة والتطور العملي بسبب الحمل؟.