سامر المشعل
تواصلا بالحديث عن بعض المقارنات في الوسط الموسيقي والفني، الذي بدأناه في العدد السابق، هناك مقارنة طالما تتردد بين المثقفين، بل حتى بين الموسيقيين، بتفضيل الملحن بليغ حمدي على الموسيقار محمد عبد الوهاب، وهذه المقارنة تمتد لسنوات بعيدة، وأول من أثارها هم الإخوة المصريون، ثم انتقلت إلى البلدان العربية، وما زالت مثار جدل عند العراقيين.
بأن بليغ حمدي تفوق ابداعيا على عبد الوهاب وسرق الأنظار منه وسحب البساط من تحت قدميه، وجعله جالسا في بيته لأكثر من عشرين عاماً!.
والذي يبحث بهذا الموضوع بتجرد، يجد أنها مقارنة ليست منطقية. نعم بليغ حمدي موهبة فذة وفريدة تنساب الالحان من عمق مشاعره بسلاسة وتلقائية وكأن الله حباه بموهبة ربانية، وإن الألحان التي يضعها أكثر طربية وطراوة، قريبة من روح الشباب ومن السهل حفظها وترديدها من قبل الناس، فهو الملحن الاكثر شعبية وانتشاراً، وتوصف ألحانه بالسهل الممتنع، تشعر ببساطتها، لكنها معمولة بخلطة سحرية يصعب على الآخرين الإتيان بها، ليس هذا وحسب، بل تمرد بليغ على القواعد الموسيقية التي سبقته، مثلا تكون المقدمة الموسيقية بنفس المقام الذي تبدأ به الاغنية، فهو لم يلتزم بذلك، وانتقالاته النغمية المفاجئة.. فلا يختلف اثنان على موهبة وابداع بليغ، لكن هذا لا يلغي موهبة وابتكار وعطاء الموسيقار عبد الوهاب التي ملأت الآفاق، والذي جدد بالموسيقى العربية وكان همزة وصل ابداعية بين الموسيقى العربية والعالمية، وثقافة عبد الوهاب الموسيقية الواسعة، واذنه الموسيقية التي تلتقط كل ما هو جديد وغريب ومزجه بالموسيقى العربية بحرفية
واتقان.
فهل يمكن إغفال القيمة الموسيقية والجمالية لأغنية " أنت عمري، هذه ليلتي، فكروني، وأمل حياتي.. وغيرها، للسيدة أم كلثوم. أو الألحان التي غنتها فيروز مثل " سهار بعد سهار، مر بي، خايف اقول اللي بقلبي، وياجارة الوادي..".
لنتذكر بعض الألحان التي قدمها عبد الوهاب لعبد الحليم حافظ ومنها " فاتت جنبينا، توبه، اهواك، ظلموه، انا لك على طول، عبالك يوم ميلادك، ضي القناديل، قولي حاجة، لست قلبي، ياقلبي ياخالي، ياخلي القلب، الويل الويل.. وغيرها.
أو الألحان التي وضعها للفنانة وردة الجزائرية مثل " في يوم وليلة"، أو الألحان التي وضعها لنجاة الصغيرة مثل " أيظن "، أو الأوبريتات الكبيرة التي جمع فيها اغلب نجوم الغناء العربي آنذاك مثل أوبريت " وطني الأكبر". أو أغاني الأفلام التي لحنها والتي شكلت جانبا مهما من السينما المصرية.. أو الألحان، التي غناها بصوته وآخرها " من غير ليه" والتي ختم بها حياته الفنية، وهذه الأغنية وحدها تكفي للرد على من يحاول تصغير حجم عبد الوهاب بحجة المقارنة مع بليغ.
والأصح أن نقول إن بليغ هو تلميذ عبد الوهاب، والاثنان قدما عطاءً إبداعياً راسخا بالذاكرة الإبداعية، وبليغ يمثل امتداداً إبداعيا أكثر حداثة انسجاما مع ايقاع عصره لجيل العمالقة، مثل السنباطي وعبد الوهاب والموجي والطويل والاطرش.