الخوف لا الحياء

الصفحة الاخيرة 2024/08/18
...

محمد غازي الأخرس
ومن أمثالنا قولهم: الخوف يعدل الشوف، ومرادفه في مصر قولهم: ناس تخاف ما تختشيش، أي أن بعض الناس يتصرفون بدافع الخوف وليس الحياء، فأنت قد تخجل من شخص فتهابه، في حين غيرك  لا يعرف معنى الحياء بوصفه رادعا أخلاقياً، قدر معرفته بالخوف. أما الذي "ما يخاف ولا يستحي" فهذا شأن سنعود له يوماً. عموما، الناس في مجتمعاتنا يخشون ذا البأس بينما "يستاطون حيطة" الضعيف من فاقدي السلطة والقوة. وفي ذلك شاعت كناية "حايط نصيص"  لوصف من يتعرض للاعتداء دائماً. من أمنوا شره استشرسوا عليه كالكلاب. نعم، الضعفاء والمسالمون هم الضحايا دائماً، وهؤلاء ينقسمون إلى أنواع وفئات. ثمة الضعفاء بسبب الفقر، والضعفاء من مفتقدي"العزوه" والعشيرة المرهوبة. وثمة ضعاف البنية كالأولاد الذين يتحولون إلى "مدكه" في المدرسة. البقاء للأقوى، والضعيف يأكلها، في المدرسة والشارع وكل مكان. ألا تلاحظون أنه في مجتمعنا البائس، لابد للمرء من عشيرة تحميه وإلا يسمونه "مكطم" ويتعاملون معه بوصفه ضحية مثالية لإظهار شراستهم. لهذا قال شاعر: لو كنت من مازن لم تستبح أبلي .. بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا. في وسطنا الثقافي، لا يختلف الأمر، فغالباً ما يستشرسون على من يسكت إذا أساؤوا إليه، بينما يحسبون ألف حساب لذي اللسان الذرب، الذي لا يؤتمن جانبه في العداوة. داعيكم من النوع الأول، فمنذ زمن طويل أخذت على نفسي عهداً ألا أنزل للوحل الذي اعتادوا عليه، لهذا يكتب المسيئون وهم مطمئنون، ويشنع المشنعون 

وهم غير قلقين، فصاحبهم أذنُ من طين وأخرى من عجين، بينما، في الجانب الآخر، نفس هؤلاء الشرسين معي يتحولون إلى حيوانات أليفة مع ذوي الأكف النشطة والألسنة الباشطة، أي والله، الخوف يعدل الشوف، ويهدم الطوف، ويا عجبي !.