أميركا وهوس الرئاسة

قضايا عربية ودولية 2024/08/19
...

علي حسن الفواز






أبواب الرئاسة الأميركية مفتوحة على احتمالات متعددة، فالديمقراطيون الحاكمون يفترضون أن التاريخ ما زال معهم، وأن الذاكرة لا تحفظ لـ"دونالد ترامب" الجمهوري سوى شعبويته، وسياسته العنصرية، ويوميات غزوة الكونغرس الأميركي، وبهذا فإن مفهوم الزعامة سيتعرّض إلى غربلة كبيرة، وإلى حسابات تجعل الفرص الرئاسية بين شدٍّ وجذب، وربما بين سرديات تتجاوز السياسة إلى الأمن، وإلى المستقبل، وإلى احتمالات تهييج حساسية الحرب مع الصين أو روسيا، وكلا الأمرين سيضع الاختيار في سياق السجال الانتخابي بين الجمهوريين والديمقراطيين.

المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس تراهن على السردية الديمقراطية، وعلى حيويتها الشخصية كنائبة للرئيس الحالي، ولمزاجها وجرأتها في تصريحاتها، وفي زياراتها، وفي تعاطيها مع حساسيات الواقع الأميركي، مثلما أن الرئيس السابق ترامب يراهن على هوسه بالرئاسة، وبتصفية حساباته مع خصومه، فيطرح نفسه بوصفه قربانا للديمقراطية، وأن المرحلة المقبلة تحتاج إلى جرعة عالية من "الذكورة" والشراسة، قد لا تنفع معها أنوثة المرشحة الديمقراطية.

وبهذا التقاطع سيكون الطريق إلى الرئاسة، وكأنه طريق إلى أوهام البطولة، وإلى واقعية صعبة، قد يتقوّض معها كثير من الإجراءات التي سعت إلى تكريسها الديمقراطية الأميركية، التي ستجد نفسها أمام تدخلات محتملة، ليس من الخارج كما يُثار، بل من الداخل أيضا، حيث الضغط الشعبوي، وحيث طبيعة التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة، فضلا عن إخفاقها في معالجة ملفات مفتوحة، مثل الحرب العسكرية في أوكرانيا، والحرب التجارية مع الصين، والعدوان الصهيوني المتواصل على غزة، فضلا عن ملف إيران النووي، وعدم التعامل معها بواقعية، وبأهمية دورها الجيوسياسي في المنطقة.

لذا بات الحصول على صفة الرئيس الحالي، والرئيس السابق مجالا لجدل حاد، ولأطروحات ذات أبعاد تاريخية وأيديولوجية، واقتصادية، قد تضع الرئيس الفائز أمام وقائع تتطلب مزيدا من الإنفاق، ومزيدا من التكاليف التي لن تكون بلا ثمن، فالشركات الداعمة، والجهات الممولة تخلط حساباتها السياسية بحساباتها المالية، وعلى وفق قاعدة – أعطني لأعطيك- وهي قاعدة ليست ذهبية، لكنها واقعية، وقد تؤثر بشكلٍ أو بآخر في مسار الانتخابات وفرص الفوز.

الحديث عن المفاجآت الانتخابية قد يكون واردا، والنزوع إلى الشعبوية قد يدخل في حسابات الشارع، وفي إجراءات ترامب الذي يمارس دور الداعية، ودور الجنرال الذي يربط وجوده بالرئاسة مع مستقبل أميركا، ومع غلو دورها في ضبط العالم الآخذ بالتفكك، في الوقت الذي تبحث فيه المرشحة كامالا هاريس عن التاريخ، وعن الديمقراطية وعن الحلم بأميركا المتوازنة وليست أميركا جوزيف مكارثي.