منحوتات {نانا}: الحريّة بألوان زاهية

ثقافة 2024/08/20
...

 ابتهال بليبل

   

ظلت نيكي دي سانت فال، لمراحل عديدة من حياتها تحت رعاية أطباء نفسانيين، وخضعت لغرض علاجها للصدمات الكهربائيَّة، لذا كانت تردد دوماً في أنّها قد "أصبحت فنانة لأنّه لم يكن أمامي سوى هذا الطريق، وإلا لو كنت قد اتخذت سبيلاً آخر فربما انتهى بي الأمر في سراي المجانين". حقيقة.. لا أتذكّر بالضبط كيف أصبحت شغوفة بالفنون البصريَّة التي لها أبعاد نفسيَّة. 

نشأت كما غيري وأنا محاطة بكل ما يشوّه ذائقتي من حروب وصراعات وأزمات في حياة كان الكثير من الصور الناصعة ببياض الأمل والابتسامة مخبّأة داخل البومات أو علب منسية بين الأدراج والخزائن. ربما كانت رغبتي الشديدة في أن أصل لشيء ما هو الذي لفت انتباهي نحو اللوحات الفنيَّة التي أجد فيها نصوصاً مرئية توثق تفكيري حول موضوعات مختلفة المعنى النفسي سواء عن المرأة أو المجتمع وغير ذلك.  هكذا بدت لي أعمال نيكي دي سانت فال 

(1930 - 2002)، التي ولدت بحسب المصادر، من أم أميركية وأب فرنسي، وهي فنانة تشكيليّة ورسامة ونحاتة وصانعة أفلام، بدأت حياتها المهنية كعارضة أزياء وممثلة، واشتهرت لاحقاً بما أنتجته من منحوتات "نانا".. وتعبير "نانا" في الفرنسية يقصد به "هيئة أنثوية حديثة واثقة بنفسها معتزة بشخصيتها". 

وبما أنَّ العديد من قدراتنا قد تضررت بسبب أزمات وكوارث مررنا بها، فقد يتطلب الأمر الكثير من الثقة لغرض الالتزام بالحياة. وأن نكون دوما بحاجة لإعادة تعريف هويتنا، هذا الخيار هو الذي يدفعنا باستمرار إلى المواجهة والتحدي. ولذا، فإنَّ ممارسة الكتابة أو الفن قد يكون هنا نتيجة لحافز سلبي نستعيد عبره الماضي لنعثر على الايجابي المتمثل بالحرية في تعريف أنفسنا بعيداً عن ما تحدده لنا التعريفات المجتمعيَّة. 

تشتغل نيكي دي سانت فال، صاحبة المنحوتات الضخمة المعروفة في جميع أنحاء العالم على ثيمات تتعلق "بالهوية الأنثويَّة" وتسعى دائماً إلى الأمل في عالم ينهار نوعاً ما، عبر دمج محطات من حياتها الخاصة في أعمالها، فدائما هناك غاية أساسية ترمز لها الفنانة في كل ما تطرحه من إبداع وهي "الحرية" عبر منحوتات لشخصيات نسائيَّة ضخمة بحركات استفزازيَّة، فتراهن تارة وهن يرقصن بصخب، وتارة أخرى وهن يركضن ويقفزن بسعادة، كما ونددت هذه الفنانة التي أجدها سريالية من خلال اشتغالاتها بالعنف والعنصرية، وكذلك الهيمنة الأبوية، والاحتباس الحراري وغيرها الكثير من القضايا العصرية المعقدة.  

ففي أعمالها المصنوعة من أشياء مختلفة كالمرايا والسيراميك والأقمشة وغيرها من مواد بصحبة الألوان الزاهية والورق، هناك دائما امرأة تحاول أن تثبت قدرتنا على تحويل أفكارنا ومشاعرنا ورغباتنا وذكرياتنا المأساوية إلى عوالم تتسم بالنقيض (الآخر) المنسجم والمتناغم مع وجودنا الإنساني، حيث حرية الاختيار والعدالة.