عندما نبحر إلى المستقبل.. متى سيتم تفجيري؟

ثقافة 2024/08/20
...

 سكوت هورد

 ترجمة: أحمد رحمن

أفكر في المشهد الإبداعي المتغير منذ ظهور الذكاء الاصطناعي، لا يسعني إلا أن أتذكر الرياضيات في المدرسة الابتدائية.

كان لديَّ أفضل بوصلة في الفصل. وكان لدى جميع الأطفال الآخرين نماذج رخيصة من البوصلة ذات المحمل الكروي الرديء الذي يسمح لك برسم دائرة أنيقة أو لا يسمح بذلك. لكن بوصلتي كانت من أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا: فهي مصنوعة ببراعة، دقيقة في قياساتها، سلسة في حركتها، ومسلحة في أحد طرفيها مشرط حاد للغاية لغرسها في الخرائط الملاحيّة التي صممت من أجلها.

كانت بوصلة صادرة عن البحرية الأمريكيّة، كانت ذات مرة ملكًا لوالدي عندما كان ضابطًا للملاحة على متن السفينة الحربية يو إس إس جالفستون من عام 1968 إلى عام 1969. بمساعدة تلك البوصلة ومهارة والدي، أبحرت جلفستون حول العالم، حيث أبحرت أولاً إلى فيتنام، ثم عبر قناة السويس، وعبر البحر الأبيض المتوسط، واستمرت إلى تكساس، حيث رفض غلين كامبل دعوة لأداء أغنيته الشهيرة جالفستون، على جالفستون، أثناء رسوها في جالفستون. أخيرًا، قاد والدي السفينة إلى أمي وإلي، قبل عيد ميلادي الثاني بقليل.

أنجز والدي كل هذا باستخدام تلك البوصلة ومجموعة من خرائط الملاحة الورقيَّة وخرائط شاملة لسماء الليل وآلة (السدس) - هي آلة بحار بصريَّة لقياس الزاوية بين الأفق وجسم سماوي لحساب موضع السفينة في البحر. 

مجلة Vigilance، التي يقرأها رجال البحريَّة، نشرت صورة لأبي على سطح جالفستون وهو يحدق إلى أداة السدس الخاصة به مع التعليق: "أطلق على هذا النجم!" معتقدًا بروعة والدي، لذا حتى أنا أردت أن أطلق على بعض النجوم أيضًا.

ما علاقة هذا بكيفيَّة تفكير الكاتب المعاصر حول الذكاء الاصطناعي؟، أنا على وشك الوصول إلى هذه النقطة.

بعد عقود من الزمان، كنت أحوم على هامش تبادل الآراء بين والدي وبعض رفاقه القدامى في البحريَّة. كانوا يتذمّرون من أن الأكاديميَّة البحريَّة، جامعتهم الأم، لم تعد تدرس مهارات الملاحة السماويَّة للضباط الطموحين.

وحينما كان حديثهم مشبعًا بالحنين الوردي للرجال العَجَزة المتذمّرين الذين يتوقون إلى مجد الماضي، كانوا أيضًا قلقين حقًا من أن البحريَّة تخلت عمّا اعتبروه مهارة أساسيَّة لأي بحار يحترم ذاته.

يبدو أنَّ هؤلاء البحارة القدامى كانوا على حق. لقد ندمت البحريَّة على قرارها، وأعيدت الملاحة السماويَّة إلى منهج الأكاديميَّة. إذ أصبح القادة قلقين من أنّه إذا تعطلت الرادارات والأقمار الصناعيَّة أثناء الصراع، قد تنتهي سفنهم بالدوران بلا وجهة في المحيط، وتصبح أهدافًا سهلة للعدو. اتّضح أنّه لا ينبغي أبدًا استبدال المهارات القديمة بالآلات الجديدة تمامًا.

يمكن أن يشجع هذا الدرس المكتسب الكُتاب، حيث يهدد الذكاء الاصطناعي بإحداث اضطراب في العالم الأدبي، وحتى - وفقًا لبعض الآراء - أن يحل محل المؤلفين البشريين تمامًا. مثل والدي وأصدقائه، يخشى الكثيرون أن يكون هناك شيء أساسي مهدد بالضياع بسبب أولئك الذين يهرعون بشكل مباشر لتبني تقنية تكنولوجية جديدة لامعة. لكنّي آمل أن يكون كما هو الحال مع البحريَّة، سيرى أولئك الذين يفعلون ذلك أن ما حققوه ليس حلاً يعتد به تمامًا، ويعيدون تقييم قيمة ما تمَّ ا

لتخلي عنه.

عندما قبل وليام فوكنر جائزة نوبل للآداب عام 1949، أكد أن واجب الكاتب هو "التحدث عن القلب البشري في صراع مع نفسه". وهذا ممكن فقط من خلال مشاركة الحالة الإنسانيَّة وكل ما ينطوي عليها: الارتفاعات والانخفاضات، الأفراح والأحزان، الآمال والمخاوف. لا يمكن للسحر التكنولوجي القيام بذلك الآن، ولن يفعل ذلك. يمكن أن يقلّد أولئك الذين يستطيعون، حيث تُدفن عبقريتهم في فمه، وتُجمع من دون إسناد من الفضاء الإلكتروني، مما ينتج تسلسلًا منطقيًا للكلمات من موجه. قد يبدو منتجه إنسانيًا. لكنّه نسخة مزورة طبق الأصل.

غالبًا أنّ التقليد هو أصدق أشكال الإطراء. ويكتب العديد من الكتاب الطموحين تقليدًا للكتاب حين تعجبهم أعمالهم. إنها خطوة شائعة في رحلة تطوير صوت فريد لمشاركته مع العالم. ولكن الآن، إذا استطاع المرء ببساطة مطالبة روبوت ببث نص بأسلوب كاتب آخر، يتم استبدال الإطراء بالقرصنة، ويتم استبدال حرفة الإبداع البشري بلعبة تجاريَّة. بدلًا من السعي للوقوف على أكتاف العمالقة، يمكننا أن نرضي أنفسنا بالانحناء في ظلالهم.

ربما أبالغ في ردِّ فعلي. أعترف بتبني سيناريو الكارثة في بعض الأحيان. لكنّني أصر على أن لديَّ أسبابًا وجيهة للقلق. لأنّه لماذا يحلم الشباب اليوم بأن يصبحوا كتابًا؟، للاقتباس من خطاب نوبل لفوكنر، لماذا يخاطرون "بعمل العمر في عذاب وتعرق الروح الإنسانيّة" حينما قد تغرق أعمالهم في تسونامي من "المحتوى" الروبوتي، ولا يتم اكتشاف كتاباتهم الأصلية أو تقديرها؟ من سيكتب إذن عن القلب البشري، عندما يتم تسليمه إلى من لا قلب له على الإطلاق؟.

يأسف بعض مبتكري الذكاء الاصطناعي لما أطلقوه، خوفًا من أن يدمّر هذا الوحش البشريَّة إذا ما لم يتم حبسه بسرعة. تحذيراتهم المروعة تجلب المزيد من خطاب نوبل لفوكنر إلى ذهني. تم تسليمها وسط الخوف من تهديد وجودي سابق: القنبلة الذرية. 

قال فوكنر: "متى سيتم تفجيري؟" كان هذا هو الفكر الوحيد في أذهان الكتاب الشباب. وبينما اعترف بقلقهم، حذر من أن اليأس يؤدي إلى الجمود. ثم قدم كلمة أمل. أصرَّ فوكنر على أن البشريَّة ستنتصر، وذلك بالضبط بسبب ما يجعلنا بشرًا: "روح، روح قادرة على التعاطف والتضحية والقدرة على التحمّل".

أنا لستُ كاتبًا شابًا بعد الآن. على الرغم من أنّني لستُ رجلاً عجوزًا متذمرًا بعد، إلا أنني رأيت أن المتذمرين والقدامى على حق في بعض الأحيان، تمامًا مثل والدي ورفاقه البحارة القدامى. 

لومهم كان مؤكدًا على إزاحة مهارة بشريَّة بالتكنولوجيا عندما اعتبروا، بعد التأمل، تلك المهارة البشريَّة ضروريَّة. آمل أن يتم تبرير الكُتاب القلقين، مثلي، أيضًا. قد يكون للتكنولوجيا دور مساعد في الكتابة. لكن ينبغي ألا تحل محلها أبداً. 

أكد فولكنر أنَّ مهنة الكاتب هي تذكير البشريَّة بـ "مجد (ماضينا)". أنا أرجو أن نتمسّك بهذه الرؤية بثبات عندما نبحر إلى المستقبل. لأنه لا يزال لديَّ نجوم أرغب في الإطلاق عليها. وأشياء كثيرة متبقية للكتابة.

عن الكاتب: 

سكوت هورد هو مؤلف حائز جوائز لخمسة كتب، بما في ذلك كتاب including Forgiveness وكتاب A Catholic Approach. كما رشحته مجلة Pembroke لجائزة Pushcart. وأيضًا متزوّج من الكاتبة ديان كريناك.