غسان كنفاني (1936 - 1972) أيقونة الأدب المقاوم
علي العقباني
الاقتراب والحديث والغوص في سيرة الشهيد غسان كنفاني وعالمه الأدبي أو النضالي عمل شائك وشائق في آن، إذ لا بدَّ من الحديث عنه أديباً روائيا وقاصاً وناقداً وفناناً متعدد المواهب، وهو كذلك المثقف النقدي الرائد والثاقب الرؤية، المحلل والقارئ للأدب والفكر والسياسة بتحولاتها وتناقضاتها التي تكونت مع القضية الفلسطينية أدباً وسياسة، فكراً وممارسة، وهذا سيقودنا إلى الحديث عنه بصفته قائداً سياسياً بارزاً في المقاومة الفلسطينية، فقد كان على الدوام خلال حياته أو بعد استشهاده المثال الأبرز للأديب المقاوم الحصيف الرؤية والغني المعرفة والمنفتح على تحولات المراحل التي عاشها.
فى أوائل ثورة الـ 58 بالعراق أيام حكم عبد الكريم قاسم زار غسان كنفاني العراق، وفي هذا الوقت كان قد انخرط في حركة القوميين العرب ،ورأى بحسه الصادق انحراف النظام عن الأهداف والمقولات والآمال التي عُقدت عليه من العرب والفلسطينيين في ذلك الوقت، فعاد وكتب عن ذلك بتوقيع “أبو العز” مهاجما عراق تلك المرحلة ورموزه، فقامت قيامة الأنظمة العربية التي كانت تشاركه النهج والتفكير ضده، لكنهم بعد فترة ليست بالبعيدة تكشفت لهم الحقائق والانحراف فعادوا ورفعوا قبعة التحية لغسان معترفين له بتلك الرؤية والنظرة البعيدة.
كان غسان كنفاني أول من استخدم تعبير “أدب المقاومة” وذلك في وصف نتاجات الكتاب والأدباء الفلسطينيين في أراضي 1948 ، سباقاً ورائداً في إبراز نتاجاتهم الأدبية رواية وقصة وشعراً في دراسة مطولة صدرت في كتابين، الأول بعنوان “أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948-1966” (بيروت: دار الآداب، من دون تاريخ)، والثاني بعنوان: “الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968” (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1968) تلك الأراضي التي عانى أهلها وكتابها من تلك النظرة السلبية والمتوجسة والمريبة في العالم العربي إلى الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم فوق الأراضي التي أقامت عليها الحركة الصهيونية دولتها في أيار/مايو 1948.
ويورد د. ماهر الشريف في كتابه الهام “غسان كنفاني: المثقف النقدي الرائد وثاقب الرؤية” ، العديد من المعطيات السباقة لغسان في النظر إلى الربط الهام الذي قدمه غسان كنفاني ما بين نتاجات الأدباء الفلسطينيين في مناطق 1948 ونتاجات أدباء ما قبل النكبة الفلسطينية، إذ أشار إلى أن عوامل كثيرة ساعدت فلسطين على أن تكون، قبل نكبتها في سنة 1948، “مركزاً ثقافياً عربياً مهماً”، من أبرزها الحركة الدائبة للمثقفين المهاجرين من وإلى فلسطين، وكذلك إنشاء الجمعيات والنوادي الأدبية الذي بدأ منذ مطلع العشرينيات، وهو ما مكّن المثقفين من الاضطلاع بدور “أكبر حجماً من الدور الذي تلعبه هذه الفئة، خصوصاً حين لا تكون حزبية، في أمكنة أخرى تعيش الشروط الكلاسيكية لمعركة التحرر الوطني”. ففضلاً عن الدور البارز الذي اضطلع به الشعر والشعر الشعبي، وقيام عبد الرحيم محمود وعبد الكريم الكرمي وإبراهيم طوقان بـ “إرساء دعائم الشعر الفلسطيني المقاوم”، لعبت الصحف والمقالات الأدبية والقصص وحركة الترجمة مجتمعة “دوراً طليعياً لافتاً للنظر”، وبرز كُتّاب مثل عارف العارف، وخليل السكاكيني، وإسعاف النشاشيبي، وعارف العزوني، ومحمود سيف الدين الإيراني، ونجاتي صدقي، وعبد الله مخلص، ورجا الحوراني، وعبد الله البندك، وخليل البديري، ومحمد عزة دروزة، وعيسى السفري، وغيرهم.
بالرغم من الفترة العمرية القصيرة التي عاشها غسان كنفاني إلا أنه أثرى المكتبة العربية بالعديد من الأعمال الروائية والقصصية والمسرحية والدراسات الأدبية والفكرية، وفي ذلك كله كان أدب غسان وإنتاجه الأدبي متفاعلا وفاعلاً دائما مع حياته وحياة الناس وواقعهم المعاش، وفي كل ما كتب وانتج وعمل وساهم.
ففي روايته الشهيرة “عائد إلى حيفا”، يصف غسان رحلة أهالي حيفا وانتقالهم إلى عكا خلال اجتياح العصابات الصهيونية المدينة وإبراز حكاية تلك العائلة التي فقدت ابنها وعادت إليه بعد أكثر من عشرين عاماً لتجد أن ثمة عائلة صهيونية قد تبنت الطفل وربته وهو الآن مجند في جيش الدفاع الإسرائيلي، عمل روائي فيه الكثير من الأسئلة والعمق والوعي بالصراع وكينونته ومصيره.
استوحى غسان حكاية روايته “رجال في الشمس” من حياته وحياة الفلسطينيين بالكويت واثر عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، كانت المعاناة ووصفها هى تلك الصورة الظاهرية للأحداث أما في هدفها فقد كانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين فى تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق، ولا زالت صرخة غسان “ لماذا لم يدقوا جدران الخزان” مدوية حتى وقتنا الراهن في سؤال فكري وانساني دائم وملح..
تأتي قصته “ما تبقي لكم”، وهي تجربة كنفاني الثانية في كتابة الرواية بعد “رجال في الشمس” لتحاول أن تعبر عن إرادة الخروج من الذات إلى الفعل، ومن الهموم الشخصية التي تأخذ دلالات عامة إلى الهموم الشخصية التي هي جزء من الهم العام، ففي هذه الرواية القصيرة سنتابع رحلة عائلة يُهجرها اليهود من يافا، بعضها يذهب الى الأردن وبعضها الى غزة.. فرحلة منفردة في الصحراء بإتجاه المنفى مجدداً يقوم بها حامد.
– فشخصيات الرواية حامد، مريم، زكريا، سالم والساعة التي تدق! تدور الرواية حولهم بتقاطع زمكاني وبتعدد أصواتهم وتداخلها بشكل كثيف. قصة عن الهجرة، عن الشرف الضائع، عن الخيانة، عن النتانة وفي ختامها عن التحرر، عن إيجاد وهج الحرية بعد الليل الدامس.
كان غسان كنفاني بكل ما حفلت به حياته وأدبه ونضاله وانسانيته وعمق رؤيته، شعباً في رجل، وطناً في قضية، قضية حق لا تضيع بتقادم السنين، اديباً ومناضلاً ومجدداً ورائداً وانساناً في المقام الأول.
بمثابة ببلوغرافيا:
ولد الشهيد غسان كنفاني عام 1936 في مدينة عكا بفلسطين
عمل فى الصحف والمجلات العربية التالية
عضو في أسرة تحرير مجلة “الرأى” في دمشق
عضو في أسرة تحرير مجلة “الحرية” فى بيروت
رئيس تحرير جريدة “المحرر” في بيروت
رئيس تحرير “فلسطين” في جريدة المحرر
رئيس تحرير ملحق “الأنوار” في بيروت
صاحب ورئيس تحرير “الهدف” في بيروت
كما كان غسان كنفاني فنانا مرهف الحس، صمم العديد من ملصقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما رسم العديد من اللوحات
من مؤلفات الشهيد
قصص ومسرحيات
موت سرير رقم 12
أرض البرتقال الحزين
رجال في الشمس” قصة فيلم المخدوعون”
الباب (مسرحية)
عالم ليس لنا
ما تبقى لكم (قصة فيلم السكين)
عن الرجال والبنادق
أم سعد
عائد إلي حيفا( اسـتلهمت في أكثر من عمل درامي وسينمائي”
بحوث أدبية
أدب المقامة في فلسطين المحتلة
الأدب الفلسطيني المقاوم في ظل الاحتلال
في الأدب الصهيوني
مؤلفات سياسية
المقاومة الفلسطينية ومعضلاتها
مجموعة كبيرة من الدراسات والمقالات التي تعالج جوانب معينة من تاريخ النضال الفلسطيني وحركة التحرر الوطني العربية (سياسياً وفكرياً وتنظيميا)
استشهد صباح وهو في سن السادسة والثلاثين من عمره يوم السبت 8/7/1972 بعد أن انفجرت عبوات ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله مما أدى إلي استشهاده مع إبنة شقيقته لميس حسين نجم (17 سنة).