مايكل انجلو.. كائنات السماء وأساطير الأرض

ثقافة 2024/08/21
...

 ابتهال بليبل

نُظم جرد بمقتنيات الفنان مايكل انجلو يوم وفاته عام 1564. اشتمل على محتويات منزل أثاثه قليل لكنه غني من نواح أخرى. في الغرفة التي كان ينام فيها، كان سرير إطاره من الحديد، وعليه حشية واحدة من القش وثلاث أخرى حُشيت بالصوت وبعض من الأغطية الصوفية وغطاء من جلد الجدي ومظلة من الكتاب. أوحت الملابس في خزانته بلمسة من الترف، من ضمنها تشكيلة من القبعات الحريرية السوداء- اثنتان منها من الحرير الثنائي اللون المترف المعروف بإرميسينو، وآخر من الراشيا (قماش صوفي غليظ) وهو أغلى قماش منسوج في فلورنسا- ومعطفان بطانتهما من فرو الثعلب ورداء فاخر. إضافة الى ذلك اقتنى مايكل انجلو مجموعة من الملاءات والمناشف والملابس الداخلية، ومن ضمنها تسعة عشر قميصا مستخدما وخمسة أخرى جديدة. باستثناء ذلك بدا المنزل خاويا. في الاسطبل كان هناك جواد، دأب مايكل انجلو على امتطائه في الأماسي، وُصف على أنه “جواد هرم صغير لونه كستنائي، مع سرج ولجام الى آخره”، لم يكن هناك أي شيء في غرفة الطعام باستثناء براميل وقناني النبيذ الفارغة. احتوى القبو على بعض من جرار الماء الكبيرة، وتصف قنينة من الخل. بقي نصبان كبيران غير مكتملين، أحدهما للقديس بطرس- ربما كان في الحقيقة نصبا ليوليوس الثاني، رامه لضريحه مرة- ووصف الثاني على أنه “المسيح مع شخص في الأعلى مرتبطان مع بعض” بقيا في ورشة لها سقف مستقل خلف المنزل. كان هناك أيضا نصب صغير غير مكتمل للمسيح يحمل صليبا.
وجدت بعض الرسمات في غرفة نوم انجلو الذي ولد في عام 1475، إلا أنها قليلة العدد مقارنة بالكمية التي انجزها على مدى السنين. تتعلق هذه الرسمات بمشاريعه المعمارية، لا سيما كنيسة القديس بطرس. من بين آلاف الرسومات الأخرى التي وضعها، وُهب بعض منها وبقي الآخر في فلورنسا، التي لم تطأها قدمه منذ ثلاثين سنة تقريبا، لكن عددا ضخما منها قد دمره انجلو عن قصد في سلسلة من الحرائق، أشعل أحدها بنفسه قبل وفاته.
يبدو الفنان مايكل انجلو  في كتاب «مايكل انجلو.. حياة ملحمية» لمارتن غايفورد وترجمة محسن بني سعيد أشبه ببطل من الأساطير الكلاسيكية، مثل هرقل الذي نحت له نصباً في شبابه.  انجلو الذي كان عرضة لتجارب ومشقات متواصلة انطوت الكثير من أعماله الهائلة على صعوبات تقنية مرعبة «جداريات سقف كنيسة السيستينا الضخمة، وجدارية يوم الحساب، ونصب «ديفيد» الرخامي العملاق، المنحوت من قطعة حجر شكلها غير متسق، أما مشاريعه الأكبر، فمنها شريح البابا يوليوس الثاني، وكنيسة نيو ساكريستي وواجهتها في سان لورنزو، وكنسية بطرس الرومانية العظمى». لقد كانت مبانيه ومنحوتاته تحفاً فنية، فرضت تأثيرا هائلا على فنانين آخرين.  ففي لوحة «عذاب القديس انتوني» المحفوظة حالياً في متحف كيمبل للفن في فورت وورث، أضاف الفنان لمسات مثل حراشف السمك اللامعة على جسم الشيطان، الذي له أنف يشبه الانبوب إلى اليسار، وينطلق اللهب من فم الشيطان. ولكن بوسع المرء أن يرى أيضا بعد معاينة عن كثب، كيف أن الخطوط قد أعيد تعديلها، لكي تمنح الصورة أقصى حد من الوضوح والتأثير.  كما ونحت انجلو «معركة القنطور» وهي عرق من كائنات نصفها الأعلى إنسان ونصفها الأسفل حصان في الأساطير اليونانية، موطنها جبال ثيساليا وآركاديا. هذا العمل قطعة يسعى وراءها الجامعون لمنقوشة على لوح من الرخام، بعرض أقل من 3 أقدام ولكنها تعج بصراعات وقتال وشخوص ميتة، لدى البعض منها قوائم الخيل الخلفية، وبنظرة متفحصة بوسع المرء أن يرى أنه أريد لبعض من الشخوص أن تكون إناثا. جوهريا، النحت البارز كتلة متشابكة من محاربين عراة يتقاتلون حتى الموت. غالباً ما كانت المهام التي وكلت لمايكل انجلو قد أجبر عليها وضد مشيئته، قد آلت إليه مالاً كبيرا وناجحة للغاية مثل «سقف كنيسة السيستينا» فعلى الرغم من اصابته بالروماتيزم والوهن إلا أنه انطلق يخترع أشكالا جديدة لعصر فني جديد. اذ يستعرض الكتاب العديد من محطات حياته في عهد النهضة والبابوات، والرهبان والمشاهير من فنانين وكتاب، وتفاصيل غيرها عن الفنان الأكثر شهرة مدى الحياة، اذ غيرت حياته وعمله وشهرته فكرتنا عن ماهية الفن الى الأبد. ففي لوحة «صلب القديس بطرس»، كان المكان عبارة عن منظر طبيعي من شجرة واحدة. ليس هناك ملائكة عراة، ولا كائنات سماوية تهوي. العاري الوحيد رجل مسن، شعره أبيض، غير أنه ما زال يحمل هيأة بطرس الذكورية بفخامة، والذي طلب أن يصلب رأسا على عقب، لكن بجهد عظيم، يرفع نفسه من خشب الصليب، وهذا أيضا في خضم عملية رفعه إلى الوضع العمودي، ويلقي على الناظر نظرة حادة رائعة، إلى اليسار جندي روماني يوجه العمليات، وجنود يحيطون بالمكان، وجمع من متفرجين يسيرون بتثاقل على التل الأجرد، بينهم إلى اليمين، هيأة ملتحية ضخمة، ترتدي قلنسوة، ذراعاها مطويتان، تجد في السير إلى أمام، يبدو كل من العملاق الكثيب والقديس الشهيد مثل بورتريهين شخصين نفسيين للفنان والمسن. إن هذه المرحلة من مشوار الفنان رغم كونها متردية وقسرية العمل ومجهدة بالنسبة له، إلا أنها كانت لها أصالة ديناميكية مهمة في مسيرته الفنية.