تجليات الصورة الرمزيَّة في المسرح

ثقافة 2024/08/21
...

  د. علاء كريم

تلامس الصورة الرمزية في المسرح حياة الإنسان وتطوره، وذلك على اعتبار أن الصورة هي جوهر التشكيل البصري، الذي يعتمد على التحولات الفنية والتقنية لإنتاج مفاهيم تدعم التجارب الإنسانية، والقيم الجمالية، وأيضاً الاستحواذ على حضور المتلقي، وعلى ردة فعله بوصف الصورة تحرك المحسوسات، وتحيل المعنى الرمزي إلى فعل جمالي تواصلي داخل منظومة العرض العلاماتية وصورته النهائية، التي تحمل تجليات الطاقة المحفزة للفكر ومغايرة المألوف.
وبما أن العرض المسرحي يمتلك مرونة في التواصل عبر آليات سمعبصرية تجعله يشكل الصورة الرمزية بتجلياتها المختلفة، لسانية كانت أم غير لسانية، فهي بذلك تعطي تصوراً بأن المتلقي هو عنصر أساسي في عملية البناء المسرحي، لأن المسرح يعتمد على كم من الإشارات والدلالات في نقل المعنى إلى المتلقي، فضلاً عن وجود وظائف إشارية توجه المتلقي الى ما يجب الالتفات إليه، لأن المسرح يلجأ إلى المشهدية التي تشد انتباه الجمهور. كما في عروض صلاح القصب التي تلامس وعي وفكر المتلقي عبر تكوين الصورة الفاعلة والمرتبطة مع فضاء العرض وما يتضمنه من عناصر تعنى بالحركة واللون والأزياء والديكور وكل ما يرتبط بالصورية الرمزية من علامات وإيماءات. ففاعلية التلقي لا تتحقق دون جمهور، وقراءة الرسالة البصرية الموجودة في صورة العرض، تخضع لتواصل حقيقي بين الباث والمتلقي.
تختصر لغة المسرح وتركيباتها الصورية الرمزية، الشخوص وتقتطع علاقتهم المرتبطة بالحدث وفي البناء الدرامي، بمعنى أن لكل عنصر من عناصر العرض وظيفة محددة، ومن هذه العناصر اللغة باعتبارها ظاهرة اجتماعية تستند على معايير تسعى إلى تحقيق رؤى متجددة عبر آليات معاصرة. وجعلت الرمزية من اللغة البصرية معقدة في التركيب، وذلك لأنها تستند على أساس التفاعل بين الصورة والكلمة والحركة، وقد تتعدى العلامات الرمزية في أدبيات اللغة الى الجسد، كونه يبث علامات بنحو مكثف وفعل معين، إذ يمكن للجسد أن يقدم الحركة ذات العلامات المرمزة وبمختلف قيمها ودلالاتها التي تكون جزءاً من قيم تحمل رموزاً لغوية صوتية وسمعية تشير إلى الرمز المادي المنطوق به أو المقروء، وهذا يحيلنا إلى أن الصـــورة في العـــرض المسرحـــي تندرج ضمنها الصورة السمعية وما تتضمنه من صور لغوية، وأيضاً الصور السردية باعتبار أن العرض المسرحي يعتمد على الملفوظ الصوتي الداخل في الصورة الحوارية التي تحدد طبيعة العرض، وأيضاً الأصوات غير اللفظية، كالمؤثرات الصوتية والموسيقى، وتعمل الصورة البصرية على مقاربة الرمز في الأفعال المجسدة عبر المنجز الجمالي، الذي يشكل الصورة المنتجة لسيمياء العرض، ومن وجهة نظر "بيرس" تشير هنا الصورة إلى التشابه أو التماثل "الأيقونة" التي هي إشارة الصورة والرسوم البيانية، وأيضاً هي تقليد للأصوات الطبيعية التي تعتمد على الأيقونة السمعية، وعليه، تشكل الأيقونة التماثل بين الدال ومدلوله، وأيضاً تشير إلى الدلالات التي تتعدد استخداماتها في الاتجاهات الإخراجية المختلفة، والتي تعطيها رموزاً تمثل حركة الممثل في المسرح، وتشير إلى الشخصية.
يعد العرض المسرحي رؤية فنية تقوم على وحدة سيميائية بوظائف دلالية رمزية، وذلك لأن الرمز في المسرح، ينتج مجموعة من العلامات التداولية التي يمكن أن تعطي معاني ضمنية لبيئات لها أصل في التلاقح الفكري والمعرفي، وأيضاً الحضاري، وللرمز تأثير في جميع المسارح وأساليب الأداء، ومنها التمثيل الإيمائي كما في "مسرح النو الياباني، والكابوكي" إذ تمتلك هذه المسارح رموزاً ودلالات ترتبط بتقاليد وأعراف تعكس طبيعة البيئة، وفقاً للرمز الذي يحيلنا إلى الموضوع الذي تدل عليه حقيقة الفعل المشارك لأفكار
المجتمع.
كما تعتمد الصورة في المسرح على الممثل، وممكنات توظيفه مع الكتل الديكورية المتحركة، ليجسد تنوع الرمزية التي تدل على القصد والمعنى، وتقسم المساحة على خشبة المسرح، فضلاً عن بيان طبيعة العرض بوصفه مثيراً يمكن له أن يحقق الاستجابة البصرية التي تنتج مشاهد جمالية، ومعاني مغايرة بصيغ ومفردات دلالية ورمزية عبر تقنيات واتجاهات متعددة، وعليه، يمكن تحويل مسار الحدث باتجاه آخر، اتجاه يحفز ذاكرة المتلقي ويدفعه إلى رؤية عرض بصري يحمل من الدهشة
الكثير.