سبايا كربلاء

منصة 2024/08/21
...

 وسام الفرطوسي

سبايا كربلاء هم الذين لم يقتلوا بعد حادثة كربلاء مثل الإمام السجاد “ع”، وزينب “ع”، اللذين أسرهما جيش عمر بن سعد. وبأمر منه حبسوا في كربلاء ليلة الحادي عشر من المحرم، وفي عصر الحادي عشر نقلوا إلى الكوفة إلى عبيد الله بن زياد. أرسل ابن زياد الأسرى إلى بلاط يزيد بن معاوية بالشام على نياق بلا هوادج وستائر برفقة جماعة منهم شمر بن ذي الجوشن وطارق بن محفز. وقد قيّد أيدي وأرجل بعض الأسرى كالإمام السجاد “ع”.
تختلف روايات المؤرخين حول عدد وأسماء سبايا كربلاء والناجين من أصحاب الإمام الحسين “ع”، وورد أنَّ عدد الأسرى الذكور أربعة وخمسة وعشرة واثني عشر. وقد ورد أنَّ عدد الأسيرات أربع وست
وعشرون.. وقد ورد في بعض التقارير التأريخية أنَّ عدد الأسرى يبلغ 25 شخصاً. ولذلك ليس من الممكن الإدلاء برأي نهائي في هذا
المضمار.
وأسماء بعض الأسرى الذكور المذكورين في المصادر: الإمام السجاد “ع”، الإمام الباقر “ع”، محمد وعمر ابنا الإمام الحسين “ع” ، زيد ابن ومحمد حفيد الإمام الحسن “ع”، الحسن المثنى الذي كان مغمى عليه بسبب إصابات الحرب، القاسم بن عبد الله بن جعفر بن القاسم بن محمد بن جعفر، محمد بن عقيل. وردت أسماء سبعة عشر رجلاً كأسرى وناجين من واقعة كربلاء في كتاب تاريخ قيام ومقتل جامع سيد
الشهداء.
وأسماء الأسرى من النساء هي: السيدة زينب، فاطمة وأم كلثوم، ورقية من بنات الإمام علي، رباب زوجة الإمام الحسين، وفاطمة بنت الإمام الحسن، وبنات الإمام الحسين الأربعة؛ سكينة وفاطمة ورقية
 وزينب.
يرى بعض العلماء مثل الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والمحدث النوري أنَّ أسرى كربلاء عادوا إلى المدينة المنورة بعد تحريرهم. أما بناءً على رواية السيد ابن طاووس
في اللهوف، فعاد ركب الأسرى إلى كربلاء.

مع ركب الأسرى
بناءً على ما نقل ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: أن السبايا سيقوا الى الكوفة على نياقٍ دون محامل، تتفرج وجوههم الناسُ فأبكى الموقف نساء الكوفة ممّا حلّ بسبايا بيت الرسالة. وقد قيل إنه لا يوجد تقريرٌ صريحٌ في المصادر القديمة عن موعد وصول الأسرى إلى الكوفة، ولكنْ بحسب كلام الشيخ المفيد فإنَّ وصول أسرى كربلاء إلى الكوفة يمكن اعتباره يوم الثاني عشر من شهر رمضان. شهر
محرم.
بعدما مرّ جنود بن سعد بالأسرى في شوارع الكوفة، أدخلوهم إلى قصر عبيد الله بن زياد. وقد جرت محادثة حادّة بين السيدة زينب “ع” وعبيد الله بن زياد. وهذه الكلمة المعروفة “ما رأيت إلّا جميلاً” الصادرة عن السيدة زينب “ع” متعلقة بهذا المجلس. كما أمر عبيد الله بقتل الإمام السجاد “ع”، ولكنْ بعد احتجاج السيد زينب وكلام الإمام السجاد الشديد، امتنع ابن زياد عن قتله.

طريق الشام
أرسل عبيد الله بن زياد جماعة منهم شمر وطارق بن مُحَفِّز إلى الشام مع أسرى كربلاء، وبحسب بعض الروايات كان معهم أيضًا زحر بن قيس. لم يتحدد الطريق الدقيق للأسرى من الكوفة إلى الشام.
ويرى البعض أنه بالنظر إلى الأماكن المنسوبة إلى الإمام الحسين “ع” يمكن تحديد مسار حركة أسرى كربلاء؛ منها، مقام رأس الحسين والإمام زين العابدين في دمشق، مقام حمص، حماء، بعلبك، حَجَر وطُرح، وجاء في موسوعة الإمام الحسين “ع” أنه كانت هناك ثلاث طرق رئيسة بين الكوفة والشام في ذلك الوقت (طريق البادية، وطريق الفرات، وشاطئ دجلة)، ولكل منها طرق فرعية عديدة.
ويرى مؤلفو هذه الموسوعة أنّ في غياب الأسباب الواضحة والمحددة، لا يمكن الإدلاء برأي محدّد حول هذا الأمر؛ لكن بفحص العلامات والأدلة يرجح أن طريق الأسرى من الكوفة إلى الشام كان عبر البادية. وبحسب بعض الروايات كتاريخ الطبري وتاريخ الشيخ المفيد وتاريخ دمشق، فقد أُرسل رأس الإمام الحسين “ع” ورؤوس الشهداء أولاً إلى الشام، ومن ثمّ أُرسل الأسرى؛ لكنْ بحسب تقارير أخرى، تمّ إرسال رؤوس الشهداء مع الأسرى الى
الشّام.

وصول الأسرى إلى قصر يزيد
بعد وصول أسرى كربلاء إلى الشام، روى الزحر بن قيس أو شمر بن ذي الجوشن ليزيد تفاصيل حادثة كربلاء. وبعد سماع الخبر أمر يزيد بتزيين القصر ودعوة أشراف الشام وإحضار الأسرى إلى القصر. وتشير التقارير إلى أنه سيق الأسرى إلى مجلس يزيد وهم مقيدون
بالحبال. وفي هذا الوقت قالت فاطمة بنت الإمام الحسين “ع”: يا يزيد! هل يصلح أنْ تكون بنات رسول الله في السّبي؟ وفي هذا الوقت بكى الحاضرون وأهل بيت
يزيد.
وضع يزيد رأس الإمام الحسين “ع” في طبق من ذهب وكان يضربه بالعصا] وذلك أمام أعين السبايا. قال ابن الأثير: لما رأت سكينة وفاطمة ابنتا الحسين هذا الأمر صاحتا وناحتا حتى بكت نساء يزيد وبنات معاوية بن أبي سفيان. وفي حديث الإمام الرضا “ع” الذي رواه الشيخ الصدوق، أن يزيد وضع رأس الإمام الحسين في طشت ووضع عليه طاولة الطعام. ثم استمتع بتناول الطعام مع ضيوفه وبعد ذلك وضع صفحة الشطرنج على الطشت وبدأ يلعب الشطرنج مع
أصحابه.
وقيل إنه كان إذا فاز في اللعبة يأخذ قدحاً من الجعة فيشربه ويصب ما تبقى منه على الأرض بجانب الطشت الذي كان فيه رأس الإمام المذبوح. وقالت سكينة “ع” عن يزيد: والله! وما رأيت أحداً أشد قسوة وكفراً وفظاظة من يزيد الذي كان ينظر إلى رأس أبي في الحفل الذي
نصبه فينشئ شعراً.

العودة من الشام
هناك خلافٌ في عودة أسرى كربلاء من الشام إلى المدينة أو كربلاء. وعلى افتراض عودتهم إلى كربلاء اختلف المؤرخون في الوقت المحدد (سواء كانت الأربعينية الأولى أو الأربعينية الثانية أو وقتاً آخر). وقد ذكر الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والكفعمي أنَّ قافلة أهل البيت “ع” ذهبت إلى المدينة وليس إلى كربلاء بعد عودتها من الشام. كما عارض المحدث النوري والشيخ عباس القمي ومرتضى مطهري عودة الأسرى إلى كربلاء في الأربعين
الأولى.
وقد استنكر السيد ابن طاووس في كتابه الإقبال” عودة الأسرى إلى كربلاء أو المدينة في يوم الأربعين. لأنَّ رجوعهم إلى كربلاء أو المدينة يستغرق أكثر من أربعين يومًا وبرأيه على الرغم من أن الأسرى ربما ذهبوا إلى كربلاء، إلّا أن ذلك لم يتمّ في يوم الأربعين. غير أنّ السيد ابن طاووس روى في “اللهوف” أن أسرى كربلاء لما وصلوا إلى العراق في طريق عودتهم من الشام قالوا لدليل الطريق: مرّ بنا على طريق كربلاء. فلما وصلوا إلى المصرع رأوا جابر بن عبد الله الأنصاري وبعض بني هاشم، وعقدوا مجلس عزاء مفعماً بالدموع والأحزان وعادوا إلى المدينة المنورة بعد أيام
قليلة.
ولم يذكر السيد ابن طاووس تاريخ نزول السبايا بكربلاء. كما أثبت السيد محمد علي قاضي الطباطبائي عودة الأسرى إلى كربلاء في كتابه البحثي؛ «تحقيق درباره اولين اربعين سيد الشهداء عليه السلام». وبناءً على رأي الشهيد المطهري في كتابه «الملحمة الحسينية»، فإنّ عودة السبايا إلى كربلاء مذكورة فقط في لهوف السيد ابن طاووس وليس في أي كتاب
آخر.
وفي رواية السيد ابن طاووس: عندما وصل ركب أهل البيت “ع” إلى جوار المدينة ونزلوا خيامهم خارج المدينة، ذهب بشير بن حذلم إلى المدينة بأمر من الإمام السجاد، وقد أنشد قصائد بالدموع بجانب المسجد النبوي، وأخبر الناس باستشهاد الإمام الحسين “ع”، وأعلن قدوم الإمام السجاد وآل الإمام الحسين إلى المدينة المنورة.
بحسب ما ذكر مؤلفو موسوعة الإمام الحسين “ع” فإنَّ حركة آل الإمام الحسين (ع) بدأت من المدينة وانتهت في المدينة.