كتب: رئيس التحرير
ما مرَّت زيارة مليونيَّة لأبي عبد الله الحسين "عليه السلام" سواء في عاشورائه أو في أربعينيته إلّا وأعادتْ لي ذكرى حديث عجيب أحفظه منذ صباي. الحديث مرويّ عن علي بن الحسين السجّاد "عليهما السلام"، وهذا نصّه: "كأني بالقصور وقد شُيِّدت حول قبر الحسين، وكأني بالأسواق قد حفّت حول قبره فلا تذهبُ الأيام والليالي حتى يُسار إليه من الآفاق".
قال الإمام السجّاد قوله هذا حين كان قبر الحسين مجرّد كومة رمال في صحراء مترامية الأطراف تذروها الرياح يميناً وشمالاً، وحين كان محبّوه خائفين لا من زيارته وحسب بل من نطق
اسمه.
وكلّما مرَّت القرون كان الطغاة يحرصون على محو رسم قبر الحسين حرصهم على محو ذكره، فعمد بعضهم إلى حرث الأرض المحيطة به إلى مسافة فراسخ لتضيع معالم القبر الشريف. لكنْ حين ترى هذه الملايين من الحزانى المتّشحين بالسواد قادمين من الأقطار شرقاً وغرباً تعرف يقيناً أنْ لا سبيل إلى معرفة مقاصد الله حقّ معرفتها، وأنَّ هناك خطة إلهيَّة فائقة التدبير لا تعبأ بحساباتنا نحن العجولين الذين نريد عدالة على مقاسنا ووفق توقيتاتنا.
الحسين وليّ الله وعينه في أرضه وذبيحه وثأره. والله يستوفي ثأره بما يشاء كيف يشاء. ولأنَّ أمر الله كله عجب "كما يقول الإمام الصادق" فإنَّ من عجائبه أنَّ تلك الكومة من الرمال التي نصب لها العداء أباطرة الدنيا صارتْ زينة الدنيا والآخرة.
كلّ عام أتذكر مقولة الإمام السجاد وأنا أنظر إلى الدنيا كلها تسير نحو الحسين من الآفاق.