أحمد عبد الحسين
يأتي صديقي الشاب عبود فؤاد إلى الشعر من زقاق خلفيّ، ولا يصل إلى صالة أو مهرجان، بل إلى الساحة، وهو ابنها، فقيراً ومحتجاً ضد أباطرة أغنياء. ونادراً ما تعثر هذه الأيام على شاعر صبور على ما يكتب ولا يريد ثمناً فورياً لقصيدته، إذ الثمن الفوري اليوم هو وضع القصيدة على شاشة هاتف أو كومبيوتر، ليرى صاحبها ردود فعل مباشرة وعجولة على كلماته. على الضد من أولئك، يعتق عبود قصائده القليلة، كما يعتق نبيذاً يراد له أن يغدو فريداً لا يشرب بعجالة.
أعرف عنه انهمامه بالشعر، لكنه يرى في الرفض جوهراً شعرياً، يعبّر عنه سلوكاً وقراءات وآراء وكتابة. يحب جمهرة شعراء رافضين، تتكرر أسماؤهم على لسانه في جلساتنا، لكنه في نصوصه لا يقلد أحداً منهم، على الرغم من أنه في السن، التي لا يؤاخذ فيها الشاعر، إذا قبض عليه متلبساً بتقليد أحد.
قصائده قصار غالباً، يريد أن يقول فيها لحظته التي هو فيها بأقل قدر من اللغة، باللغة في حدها الأدنى من البهرجة والتكلف، وبالخيال في حده الأدنى أيضاً، لأن الوقائع الفادحة دخلت حياته الفتية بعنف وطردت الخيال من الشبّاك. سترى في قصائده دوي انفجارات رافقته طفلاً، وهتاف احتجاجات شبّ عليها، ومحاكمات عائلية، ومن منا لم يحاكم عائلته في أوائل شعره؟ العائلة أولى السلطات التي نخرج عليها فنجد أنفسنا مدمني رفض للسلطات.
عبود لا ينشر شعره. وهذه القصائد التي تنشر له لأول مرة في "الصباح"، سرقتها منه وقد يزعجه نشرها. لكني رأيت أن عليّ واجب التعريف بشعر فيه براءة البدايات.
هذه قصائد صديق شاب ليس وراءه تاريخ كبير.. لكن ربما يكون تاريخه أمامه!