عبود فؤاد
مناديل أمّي
عندما نذهبُ إلى المقبرة
تكوي أمّي المناديل
يأخذُ أبي عُكاز جدي ليعلّمه المشي
بينما أوزعُ أنا حصص الدموع على الموتى
دمعتين لعمّي الذي اخترقتْ رقبته شظية في انفجار
دمعتين لِصديقيّ المقتولينِ بقناص الطرف الثالث.
الآخرون سأعطيهم دمعة دمعة.
حين نعود إلى البيت
سيدخلُ أبي ويشغل التلْفاز مُدعياً القوة
ويدخلُ العُكاز خلفه
أمّا أنا أقتلع عيني بهدوء مثل الدُمى وأنشرها
على الحَبل
قرب مناديل أمّي.
حافلة
لمْ يبقَ من حافلة الأصدقاء سوى سائقها
اخترقتِ الرصاصةُ صوت حمزة فسقط قلمه
تخشبَ عليّ في مقعدهِ
ورمى أحمد فمهُ من النافذة،
امّا أنا ستلتحم يدي بمقود الحافلة
وبلا مرايا جانبية،
سأقودها إلى المقبرة.
ولادة
خلقَ الله الجَميع مِن الطَينِ
إلاّ العراقيين، كلّفَ الحدادين بذلك
فانهالتْ عليهم المطارق
وألسنة النيران
ليخرجوا متماسكين
كل شيء يطيرُ في العراقِ إلا الطيور
عباءات الأمهات في المقابرِ
الطفل في جدارية جواد سليم
أحذية الشعراء
ينسابُ في عروقهم الدُخان أكثرَ مِن الدم
وعلى رقابهم السيوف أكثرَ مِن القلائد
ولا أستطيع أن أفعل شيئاً
سوى أن أرميّ وحدتي على أبواب قصائدي
ولُعابيّ على أبواب وسادتي
وسجائري على أبواب شفتي
معلناً عن ولادة نبيّ جديد
بِلا معجزات
ولا حروب.
أمنية
استقلَّ حافلة باب الشرجي- مدينة الصدر
ومِن النافذة،
نظرَ إلى الطيورِ التي تصنعُ ملامح
والدته،
قال: كمْ أتمنى أن أطير
فطارَ بعبوة.
حادِث
اشترتْ أمي ماكنة خياطة جديدة،
تدوس برفق بأصابعها كراقصة البالية فتعمل
كانت سائقة جيدة للماكنة، تُسابق الحياة بِها،
ماتتْ على الماكنة وهي تضع يداً على يد أشبه بملوية العباسيين
يقول تقرير الطب العدلي :
ماتت في حادثة رغيف.
شاعر
كُلما خرجتُ إلى الشارعِ تهبُّ سيارات الإطفاء نحوي،
يظنونني حريقاً،
كُلما قرأتُ قصيدةً، تتساقط الجثث والحروب مِن فمي.
كُلما أعدُ الشهداء المعلقين على أعمدةِ مدينتي
أذهبُ إلى القتلة، كي أسرق منهم مئات الأصابع.
كُلما سألني أحدهم: كيف يمكن أن أصبح شاعراً؟
أقول: كن حريقاً بلا فم.
بَدْلة
في خزانة والدي، فوق بَدْلته العسكرية
تضع أمي القرآن،
البارِحة أبدلتُ القرآن بكتابِ "عن الحرية" لستيوارت ميل،
وفَجْر اليوم،
رأيتُ البدْلة تسيرُ في أزقَّةٍ المدينة.