{حياة الماعز}.. أغضبَ دولاً فصار {ترنداً}

ثقافة 2024/08/26
...

علي حمود الحسن

 فيلم "حياة الماعز"(2024) الذي شاهده الملايين على منصة نتفليكس ودور العرض السينمائية الهندية، مقتبس عن رواية كتبها بيني دانيال، ونشرها باسم دانيال، حصل على حقوقها المخرج الهندي بليسي ايبي توماس، وكتب السيناريو لها وأنتجها أيضاً، واحتاج لأكثر من 5 سنوات لإخراجها، متنقلاً بين صحراء الأردن والهند والجزائر..
 يحكي الفيلم قصة الشاب الهندي المسلم نجيب (بريثفيراج سوكوماران) الذي ضحى بكل شيء من أجل الحصول على عقد عمل في السعودية من خلال نظام الكفيل، إلى حد أنه رهن بيته، يصل برفقة صديقه حكيم ( كر جوكول) إلى المطار، ويبحثان عن الكفيل، ولأنهما لا يعرفان اللغة العربية، يستغلهما أحد الكفلاء النصابين(طالب البلوشي) ويدعي أنه كفيلهما، ويستحوذ على جوازي سفرهما، وينطلق بهما إلى الصحراء، فينفقان ثلاث سنين عجاف من عمرهما بظروف قاسية، يحاول نجيب الهرب مرات، من دون جدوى إلى أن تسنح له الفرصة، برفقة حكيم وراعٍ أفريقي يدعى ابراهيم قادري (جيمي جان لوي) يعرف مجاهل الصحراء.
 ينتمي "حياة الماعز" إلى الأفلام الملحمية، ويتناول يوميات نجيب البطل التراجيدي المخذول، فهو بلا هوية في صحراء شاسعة، لا يعرف عنها شيئاً، فلا اللغة تسعفه، ولا تعاطف إنسانياً من سيده الصلف، لا شيء غير الأغنام والماعز والإبل، يبوح لها بمحنته ويأسه.. يحاول الهروب من دون جدوى، تتمزق روحه بين حلم، حرق الأخضر واليابس لتحقيقه وواقع مر، فلا عمل ولا راتب ولا تعامل إنسانياً.
 يلجأ المخرج إلى "الفلاش باك" ليعود بالبطل إلى قريته الفردوسية، التي تضج بالبهجة والسعادة والألفة، رغم فقر أهلها، مقابل صحراء قاسية تغطيها العواصف الرملية وجفاف يكاد أن يكون قاتلاً، وهذا ما يؤكد رأياً لمعترضين على الفيلم مفاده: أنه مدعوم من جهات هندوسية متطرفة تريد الحد من نزوح العمالة الهندية إلى الخليج. لقطات طويلة وأخرى قريبة لوجه نجيب وانفعالاته الداخلية بين استكانة وخنوع وتوق لا ينتهي إلى الحرية، وقد نجح المخرج وفريق عمله في إيصال شحنات عذابات نجيب، إلى حد أن المشاهد يلاقي صعوبة في إكمال الفيلم لفرط الأسى، وكل هذا لم يكن ليتحقق لولا أداء الممثل الهندي بريثفيراج سوكوماران، الذي أدى شخصية نجيب، مجسداً انفعالاته الداخلية واغترابه وخذلانه، وفي الوقت ذاته توقه للحرية، وإن كان ثمنها الموت، ونجح في اظهار التحولات العنيفة التي عصفت به على مدار السنوات الثلاث التي سبقت هروبه، لا سيما التغيرات التي طرأت على جسده وفكره، وكذلك الممثل الذي أدى دور الدليل الأفريقي إبراهيم قادري (جيمي جان لوي) الذي قدم أداءً بارعاً لشخصية ملحمية، فهو العارف والقوي والحاني وأيضاً المؤمن، ورغم مشقات السفر كان دليلاً وقائداً لنجيب وحكيم، وهو من أوصل نجيب إلى الطريق قبل اختفائه، كذلك الأداء الرائع للفنان العماني طالب البلوشي بدور الكفيل الصلف والقاسي، الذي نال أكبر قدر من الكراهية والتنمر، حتى أن الكثير اتهموه بالعمالة، وكل هذه الجهود لم تكن تحصل لولا احترافية المصورين سونيل كيه إس، و جامعة كو موهانا، اللذين وظفا الإضاءة الطبيعية واللقطات العريضة لتصوير مشاهد الصحراء الأخاذة، أو مشاهد القرى الهندية الكرنفالية، فضلاً عن حرصهما على اظهار المتغيرات التي تطرأ على ملامح البطل، بينما أعطت الموسيقى التصويرية التي ألفها الموسيقار الهندي الشهير أي.أر.رحمن  صاحب موسيقى " محمد رسول الله" دفقا ًروحياً للأحداث. وضع المخرج في المفتتح تنويهاً مفاده: "الفيلم لا يقصد الإساءة لأي بلد أو شعب".. إلا أن هذا لم يثنِ بلداناً خليجية وعربية عن منعه، ومع ذلك حصل على مشاهدات مليونية على المنصات، وصار "ترنداً". الفيلم إدانة واضحة لنظام الكفيل الذي استغله ضعاف النفوس، وصادروا حريات وحقوق المئات من العمالة الأجنبية، والآن هنالك مراجعات حقيقية لتطويره، بل  وإلغائه كما حدث في المملكة العربية السعودية.