الإساءة لغرض اللجوء

آراء 2019/06/17
...

د. حسين القاصد 
 

بعد أن تخلصنا من لوثة الخطاب السياسي التحريضي ، وهو سلوك الساسة بالتخندق الطائفي المقيت من أجل تحقيق مكاسب سياسية ؛ وبعد أن أثمر التوافق السياسي عن بعض الانفراج في الحياة اليومية بعد اختناق مرير ، ولقد اتضحت بعض ملامح هذا الانفراج بفتح الكثير من الطرق المغلقة لتخفف عن كاهل المواطن الخارج من ويلات الحروب والتناحر السياسي وتركاتهما الثقيلة ؛ بعد كل هذا ، صرنا نسمع ونرى كتابات وتصريحات تستهدف ماضي الأمة ورموزها ، وأهداف أصحاب هذه الكتابات والتصريحات المريضة كثيرة ؛ فمنهم من يعمل عن مولاه ومموله الذي آن له أن يهدأ ويتماشى مع مقتضيات الإرادة السياسية الجديدة ، ومنهم من يبحث عن الشهرة السلبية ؛ لذلك سمعنا ورأينا وقرأنا تصريحات لساسة فشلوا في الحصول على مكاسب او مناصب ، سمعنا الكثير من الهلوسات وادعاء الشجاعة على ما هو ماض ، هاربين من حاضرهم الفاشل .
اصوات نشاز وأقلام ملوثة ليس همها مصلحة البلاد والعباد بقدر التفكير بمصالح ضيقة ، أهمها محاولة تأكيد الحضور في الساحة السياسية لمن لفظتهم الانتخابات ورمتهم إلى سلة النسيان . 
لكن ، ماذا عمن يحاول الظهور والانتشار والشهرة عبر الإساءة لماضي مكون من مكونات المجتمع او الاساءة لرموز ومقدسات هذا المكون ؟ وهي الظاهرة التي أطلق عليها العراقيون ( الطشة) وأصحاب ( الطشة ) يختلفون عن أنصار الساسة المتناحرين ؛ فالطشاشون لهم مصالحهم الشخصية الضيقة ، منها أن يعوضوا نقصهم الحاد الذي يعانون منه في حياتهم اليومية ، ومنها مصالح مريبة لها أبعاد خطيرة .
الجميل جدا في تركيبة المجتمع العراقي هو أن العراقيين يتعاطفون مع الآخر اذا كان من دين آخر ، وتطغى المثاليات الجميلة على خطاباتهم ، فهم يفرحون الأفراح الأديان الأخرى ويعزون اشقاءهم في الوطن اذا كانت لهم ذكرى أليمة تخص دينهم ومعتقدهم ؛ لكن البعض يركب جناح ( الطشة) ويسيء لمقدس شقيقه من الدين الواحد ، بحجة العلمانية والتمدن ، والسخرية من حاضر هذه الملة عبر نسف ماضيها والإساءة له .
أهل ( الطشة) السلبية تكاثروا بطريقة انشطارية رهيبة ، وأسهم في تكاثرهم تجارب بعض ممن سبقهم ، حيث يميل المراقبون أن اغلب هؤلاء المسيئين يقومون بهذه الاساءات طمعا بالحصول على لجوء خارج البلد ، وهي ظاهرة استشرت مؤخرا بعد أن حصل بعض ممن سبقهم على هذا اللجوء .  
ترى ما السبل الكفيلة بالحد من هذه الظاهرة ، بعد ان صرنا نرى  تكاثرا مريبا لها ، لا سيما في شهر رمضان المبارك ، حيث أطلق البعض سيف شجاعته على ماض يقدسه غالبية المجتمع ، طمعا منه بكذبة تهديد يضعها في ارشيفه ، لكي يحظى بقبول الدول المرحبة بلجوئه !! .
انها ظاهرة تتفاقم ، وليس من مسؤولية المثقف إعادة بناء الماضي بانقاض حاضره الذي تهدمه معاول ( طشته) .