محمد الباقر
دخل صديقي محمد الباقر الكتابة من باب الرواية. قرأت له روايتين قبل أن أعرف أنه شاعر. وهو في شعره لا يشبه ما في سرده. ففي قصائده تلحظ الجمل البرقية العجولة التي تريد أن تتخلص من حمولتها سريعاً "وأحياناً كيفما اتفق" من دون أن يبدو كثير الاعتناء بجملته، كأنما يريد قولها دفعة واحدة ليتفرغ لأمر أهم!
محمد بريء. لم يزل طفلا يرى العالم بعينين بريئتين ولا يفهمه. لا يفهم ما يجري من حوله. براءته لا تسعفه في التقاط مغزى وراء هذا القبح المتراكم، فيروح يخاطب الله "أيها الرب يا من تمسح على رؤوس أيامي بلطف اسمك" أو يخاطب الملاك "أيها الملاك الذي شكل طيني أما زلت تعرفني؟" أو يكلم أمه "من تحت عباءتكِ هذا الولد يتحدث إليك الآن".
بهذه البراءة يريد أن يقول محمد الباقر كل شيءٍ بوضوح ومباشرةً كما يليق بصرخة استغاثة. والمستغيث لا يأبه كثيراً لإيقاع صرخته أو جمالها. إنه متوجّه بكليته إلى من ينقذه، ولذا فإنه لا يتحدث عن نفسه إلا كما يتحدث غريق إلى من في يده طوق نجاة.
شعر محمد الباقر الذي قرأته، برقيّ واضح لا صناعة فيه لأنه نداء استغاثة.
أحمد عبد الحسين
(1)
الولد صاحب المزاج الشاحب
المُترع بالأسى
يضحك للاشيء.
الوجه المرحُ الذي ترينه
وهذا الفرح الذي يشعُّ من عينيّ
كلّه يأتي من تحت عباءتك
من ذلك الولد الذي يتحدث إليك الآن
أنا مُشبّع بتفاصيلك
أنا صَنِيعةُ يديكِ المُباركتين!
(2)
كُلما تناولت اسمك؛ شبعتُ
(3)
أنا مُحَمَّد البَاقِر؛
أيّها الملاك الذي شكّل طيني
أما زلت تعرفني؟
هل تتذكّرني بعد أن شوّهت الحياة ملامحي؟
أنظر جيدًا…
إنّه أنا،
أنا، هذا المُتعب أيّها الملاك!
(4)
أيّها الربّ
يا صاحب هذا الطين
يا من تمسح على رؤوس أيامي
بلطف اسمك وعظمة عفوك
أرجوك
أخبرني ما الذي يحدث؟
أنا ذاته محمد الباقر
الولد الصامت الذي تعرف
لكنّها الكلمات التي أعجزُ عن قولها
تخرج إليك مُلطخة بالدماء!
(5)
لا أعرف كيفَ يُمشّط الفِتيةُ شَعرهم
لَمْ أرتدِ بدلة مِن قبل،
لَمْ أخرُجْ مع الأصدقاء للجلوس في مقهى
لَمْ أمشِ خَلف فتاةٍ في أزِقة بغداد،
لَمْ أتسلل إلى الأسطح
لأُشاهد الفتيات وَهُن ينشرن ثيابهُن على الحبال
لا أدري كيفَ صمدتُ في هذا العالم.
لا أعرف شيئًا عمّا يحدُث ولا أرغب في معرفة ذلك
لا أعلم شيئًا سوى أنّني مُتيمٌ بحُبّكِ
وأبكي طويلًا وراء توابيتُ الموتَى.
(6)
الأماكن
التي لا أراكِ بِها
تخدش عينيّ بقسوة!
(7)
ثمَّةَ طفل أهوج
لا يُجيد الكتابة
يعبثُ بأزرار قلبي!
(8)
رغم هذه المسافة
ثمة مُفارقة عجيبة
حينما يتعلّق الأمر بضحكتك،
تُطهّر جدران روحي
من أوبئة الخسارات
وتوزّع الأمان بغزارةٍ
على جسدي المُترع بالهزيمة وبالحزن.
وجودك قاربٌ يحملني إلى الأمان،
صوتك حبلٌ أتشبّث به
حين تغرق عيوني في بحر من الوجع.
ملامحُك يدٌ تربّت على كتف الأيام
التي لا تكف عن بث خيباتها
على شاشة عمري.
أعيش على قيدك
ولستُ مدينًا للحياة بشيء.
أعيش لأجلك،
أُنظف عيوني ببراءة وجهك!
(9)
لا أعلم شيئًا عمّا يحدُث،
وَلا أملك تفسيرًا لكلّ هذا العبث
ليس ثمة في جعبتي شيء الآن.
أنا مهدٌ خشبيٌّ
فِي غرفة عاقر.
(10)
أنا أبشعُ شيءٍ حدثَ لي!
(11)
أيّها الربّ
هذا الوجع كثيرٌ عليَّ
أليس ثمّة تقسيط مريح
لهذا الألم
حتى وإن تمَّ وضع الفوائد
أسددها على دفعاتٍ لما بعد الموت
لكنْ
لا تباغتني دفعة واحدة.
وأنا ولدٌ أعزل
وروحي
دسستُها تحت وسادة مَن أُحب!