علي حسن الفواز
صناعة الحرب لا تشبه صناعة السلام، فكلما فقدت السياسة براغماتيتها، بات الطريق إلى الحرب سهلاً، ومفتوحاً على احتمالات كثيرة، وأحسب أن العالم اليوم يقف عند عتبات حروب معقدة، باردة ورمادية وساخنة، لها حمولات تجارية وإعلامية وسياسية، حتى دفعت "البعض" إلى توصيف الحديث عن "الأمن العالمي" بأنه حديث فنطازي تتوه معه أحلام المحاربين.
رغم هذا الأفق الغائم لمفهوم الأمن تبقى للسياسة خياراتها السرية، ودوافعها لتجنّب الوقوع في فخاخ تلك الحروب، لاسيما أن الدول الكبرى في الغرب والشرق لديها جبهات وأسواق وحدود ساخنة، وأن إشعال أيّ حربٍ فيها لا يحتاج إلّا إلى قرار سياسي، أو إلى ضغطة زر من أزرار الصندوق الأسود.
تحمل زيارة جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي إلى الصين قراءات متعددة، ولملفات مفتوحة تخصّ ضبط إيقاع تصاعد التوترات بين الصين وأمريكا، لاسيما ما يتعلق بخفايا الحرب الاقتصادية، وما يتعلّق بالأمن الستراتيجي في جنوب شرق آسيا وبحر الصين، وما يتعلق بالحرب في أوكرانيا وخفايا التعاون العسكري مع روسيا، وعلى نحوٍ يجعل فتح هذه الملفات مجالاً لتوسيع الحوار، ولمعالجة الأزمات وتعقيداتها بنوعٍ من الصراحة والمكاشفة الستراتيجية..
قد تبدو هذه الزيارة ذات طابع أمني، لكنها ستكون سياسية بامتياز، لأن مفتاح السياسة هو سر فتح المغارة، وهو المدخل إلى حديث فكّ مغاليق ملفات الأمن والاقتصاد، لاسيما أن جزءاً من أهداف زيارة سوليفان هو التمهيد لإجراء لقاء قمّة بين الرئيسين الأميركي جو بايدن، والصيني شي جين بينغ، وبما يُعطي انطباعاً بأن نهاية الرئيس بايدن ستكون أقل تراجيدية مع توقيع معاهدات سلام سياسي واقتصادي وأمني مع الصين...
ليس صعباً الكشف عن دوافع الولايات المتحدة لخلق أجواء إيجابية مع الصين، وقطع الطريق على أية مغامرة يمكن أن يقوم بها المرشح الجمهوري دونالد ترامب في حال إعادة انتخابه للرئاسة، وهو المعروف بمواقفه الشعبوية والصاخبة ضد الصين، وبهدف يجعل السيطرة على بؤر التوتر بين البلدين عملية ستراتيجية متيسرة، وهادفة لمعالجة ملفات أخرى، لا تقلّ تعقيداً، مثل " القيود الاستثمارية" والعقوبات الاقتصادية المفروضة على الشركات الصينية، فضلاً عن الملف النووي الإيراني، وملف العدوان الصهيوني على غزة، وحتى ملف "طريق الحرير" و"طريق التنمية" وهي ملفات ذات أبعاد مستقبلية مهمة في ترسيم حدود الاقتصادات والسياسات الدولية...