ابتهال بليبل
كان تصوير النساء الشرقيّات في مخادعهن الموضوع الأكثر انتشارا في لوحات المستشرقين. وقد كان "الحرملك" تحديدا منطقة يُحظر على الرجال الغرباء دخولها، وهذا ما أطلق العنان لمخيلة الفنانين. وقد اختلف أسلوب تعاطيهم مع هذا الموضوع إلى فئتين اثنتين، من جهة، كان الأمر مثيراً تشويقاً، ومن جهة أخرى، حاول البعض نقل الألفة العائلية المشهودة في التعامل الأوروبي إلى العالم الشرقي.
اهتمَّ كتاب "النساء في لوحات المستشرقين" للمؤلف لين ثورنتون وترجمة مروان سعد الدين بالفنّ الاستشراقي بشكل عام، وبغموض عالم النساء وغرابته وسحره الناشئ عن حقائق سياسيّة وممارسات اجتماعية ودينية.
فقد أظهر الاهتمام بالحياة المنزليّة وطبيعة لوحات النساء التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر، والتي تقدم النساء كزوجات محبات واِناث متفانيات، إلا أنّ مشاهد الأمومة كانت نادرة بشكل ملفت للنظر في أعمال المستشرقين.
وقد قدم "جان- بابتيست فانمور" امرأة تُرضع طفلها، وكذلك فعل "تيودور شاسيريو" في لوحة "امرأة من شمال أفريقيا تمرّض رضيعها" عام 1850.
كتب "س.ب.كلوزينجر" حول النساء المصريات عام 1878: "لا تدفعنا تلك النسوة، كما هو شائع عن حياة الحريم للاعتقاد بأنهن يستلقين طول اليوم على ديوان وثير، يتذوّقن الحلويَّات، يحلين بالذهب والمجوهرات، يستنشقن التبغ ويضعن على الوسائد تلك الأيدي التي يجعلها الكسل ممتلئة للغاية، فيما تقف الاناث من العبيد أمامهن يراقبن تحركاتهن، وهن قلقات من تفويت أدنى حركة". ويصف هذا النص بالضبط الطريقة التي كان العديد من مستشرقي القرن التاسع عشر يصورون بها النساء الحرملك، مع وجود فارق واحد فقط هو أن الفنانين كانوا يصورونهن يتمتعن بأجساد مغريّة، ونحيلات بالتأكيد.. وكن يظهرن غالباً وهن يشربن الشاي أو القهوة، مع وعاء من الفاكهة الموسمية إلى جانبهن، لكن لم يتم تصويرهن أبداً وهن يأكلن وجبة كاملة.
في العديد من أعمال المستشرقين، النساء لا يقمن بأي عمل، وكن أما وحيدات أو يتبادلن الشائعات مع مرافقاتهن، أو يغرقن في أحلام اليقظة، أو يلوحن أما بمروحة أو بمذبة لطرد الذباب.
وفي معظم الأحيان، كان يتم تصوير امرأة الحرملك خليعة لعوبة مهووسة باللهو والتسلية. ويقول "إدوارد لان": "في حضور الزوج، كن مقديات تماماً، وبالتالي كن أكثر سعادة عندما لم تكن زياراته خلال النهار متكررة أو طويلة، وفي غيابه، غالبا ما كن ينغمسن في مرح صاخب".
ولطالما أظهر المستشرقون الحريم أو الخادمات وهن يعزفن الآلات الموسيقيَّة، وعادة ما تكون المندولين قيثارة صغيرة، وذلك للترفيه أما عن أنفسهن أو عن الضيوف.
أحد المواضيع الشهيرة التي أبرزها المستشرقون في لوحاتهم كانت تدور حول النساء في السوق أو البازار. وكان الفنانون الايطاليون العاملون في روما أمثال "إيتور وأميدوسيمونيتي، جوسيب باليسيو، ألبيانو كاسيارولي، فابيو فابي"، مولعين برسم النساء الانيقات بحجابهن الرقيق وهن يتفحصن المزهريات أو البسط التي يفردها التُجار أمامهن.
رسم "جان- إيتان ليوتارد" إحدى اللوحات التي تصور امرأة في الحمّام بعنوان "امرأة ألمانية في ثوب تركي وخادمتها" عام 1742، وكان القبقاب الخشبي الطويل الذي انتعلته تلك المرأة أكثر أناقة من القبقاب الصغير الذي انتعلته الفتاة الخادمة.
لوحة عفيفة ومحتشمة أخرى رسمها "أنغريس" عام 1808 بعنوان " امرأة تستحم" والموجودة الآن في متحف اللوفر بباريس.
كما رسم مستشرقو القرن التاسع عشر العيون المزينة بالكحل من وراء الخمار. كما في لوحة "فتيات عربيات يغطين شعرهن ويضعن الكحل".
ويوضح الكتاب لنا في عدم وجود دليل وثائقي يبين إذا ما رسم الفنانون لوحاتهم خلال اسفارهم أو في بلادهم الأصلية، لأن شهود العيان لا يسجلون الحقيقة دائما. فقد عمل العديد من الرّسامين على لوحاتهم في مراسمهم لدى عودتهم من أسفارهم بمساعدة نماذج وإكسسوارات أوروبية، وقد لعبت الذكريات الواهنة والخيال جزءا كبيرا في انتهاء تلك اللوحات. ولكن باستطاعة المرء دائماً التفريق بين اللوحات التي تم رسمها بهذه الطريقة، وتلك التي رسمها فنانون لم يغادروا مواطنهم أبداً وإنما قاموا بإتباع الاسلوب الفني السائد مع إضافة نكهة
شرقيَّة.